رفض الصدوقيون تعليم يسوع . لقد كان يحركه روح لم يريدوا هم الاعتراف بأنه يظهر نفسه بهذه الكيفية . وكان تعليمه عن الحياة الآتية وعن الله مناقضا لآرائهم ونظرياتهم . كانوا يعتقدون أن الله هو الكائن الوحيد الأسمى من الإنسان ، ولكنهم كانوا يجادلون قائلين إن عناية الله المتسلطة وعلمه السابق يجردان الإنسان من حرية العمل والارادة وينزلانه إلى منزلة العبيد . كما كانوا يعتقدون أن الله بعدما خلق الإنسان تركه لنفسه مستقلا عن كل نفوذ أو سلطان أعلى . وكانوا يعتقدون كذلك أن الإنسان حر لأن يتسلط على نفسه ويشكل حوادث العالم ، وأن مصيره هو بين يديه . وكانوا ينكرون أن روح الله يعمل عن طريق المساعي البشرية أو الوسائل الطبيعية ، ومع ذلك كانوا يعتقدون أن الإنسان إذ يستخدم قواه الطبيعية بكيفية سديدة يمكنه أن يتسامى ويستنير ، وأن حياته يمكن أن تتطهر بواسطة فرض ممارسات عنيفة وصارمة على نفسه. ML 569.1
هذا وإن آراءهم عن الله شكلت أخلاقهم . فكما أنهم كانوا يعتقدون أن الله غير مهتم بالإنسان أصبحوا قليلي التقدير أحدهم للآخر ، وكان اتحادهم بعضهم ببعض ضعيفا . وإذ رفضوا الاعتراف بتأثير الروح القدس على أفعال بني الإنسان فقد كانت تعوزهم قوته في حياتهم . وكغيرهم من اليهود كانوا يفخرون بأنهم أولاد إبراهيم ولهم الحق في الميراث ، كما كانوا يفخرون بتمسكهم الشديد بمطاليب الناموس ، ولكنهم كانوا مجردين عن فهم روح الناموس وإيمان ابراهيم وكرمه . وكانت دائرة عطفهم الإنساني ضيقة ومحدودة جدا. وكانوا يعتقدون أنه من الممكن للناس جميعا أن يحرزوا نصيبا في متع الحياة وبركاتها . ولم تتأثر قلوبهم باحتياج الآخرين أو آلامهم ، بل كانوا يعيشون لأنفسهم. ML 569.2
شهد المسيح ، بأقواله وأعماله ، بوجود قوة إلهية يمكنها أن تأتي بنتائج فائقة للطبيعة ، وشهد بوجود حياة مستقبلة بعد هذه الحياة ، وشهد بوجود الله كآب لبني الإنسان وهو ساهر دائما على مصالحهم الحقيقية . وأعلن عن عمل القوة الإلهية في الإحسان والرفق اللذين كانا توبيخا للصدوقيين على أنانيتهم وانطوائهم . وقد علَّم أن الله لأجل خير الإنسان الزمني والأبدي يرف على قلبه بالروح القدس . وأبان خطأ الإركان إلى القوة البشرية لأجل تغيير الخلق الذي لا يمكن أن يحدثه غير روح الله. ML 569.3
عقد الصدوقيون العزم على تكذيب هذا التعليم . فإذ حاولوا الاشتباك في جدال مع يسوع أحسوا بالثقة في أنهم حتى ولو لم يتمكنوا من إدانته فعلى الأقل سيجلبون عليه العار . واختاروا موضوع القيامة ليناقشوا المسيح فيه . فإذا وافقت عقيدته عقيدتهم فذلك سيكون كفيلا بأن يثير ضده المزيد من سخط الفريسيين ، أما إذا خالفهم فسيسخرون منه ومن تعاليمه. ML 570.1
وقد تحاج الصدوقيون قائلين إذا كان الجسم يتكون من نفس عناصر المادة في كلتا حالتي الخلود والموت ، إذا فعندما يقوم من الأموات ينبغي أن يتكون من لحم ودم ، ولابد أن يستأنف في عالم الخلود حياته التي قضى عليها الموت . ثم استنتجوا أنه في هذه الحالة ستعود الروابط الأرضية إلى ما كانت عليه فيتزوج الرجل امرأته وتعقد الزيجات وتعود الحالة إلى ما كانت عليه قبل الموت ، وستخلد ، في حياة الخلود الضعفات والشهوات والعواطف التي كانت في الحياة الدنيا. ML 570.2
وجوابا عن أسئلتهم رفع يسوع الستار عن الحياة الآتية فقال لهم: “في القيامة لا يزوّجون ولا يتزوّجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء”. فأبان لهم أنهم مخطئون في اعتقادهم ، كما كان الفرض الذي قدموه كاذبا . قال لهم: “تضلّون، إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله” (متى 22 : 30، 29). إنه لم يتهمهم بالرياء كما اتهم الفريسيين بل بالخطإ في العقيدة. ML 570.3
كان الصدوقيون يخدعون أنفسهم بالقول إنهم ، دون جميع الناس ، متمسكون بالكتاب بكل تدقيق . ولكن يسوع برهن لهم على عدم فهمهم لمعنى الكتاب الحقيقي . فتلك المعرفة ينبغي إدخالها إلى القلب بإنارة الروح القدس . كما أعلن لهم أن جهلهم للكتب المقدسة ولقوة الله هو السبب في تشوش إيمانهم وظلام عقولهم . كانوا يحاولون حصر أسرار الله في داخل محيط تفكيرهم الضيق المحدود ، فدعاهم المسيح لأن يفتحوا عقولهم لقبول تلك الحقائق المقدسة التي توسع مداركهم وتقويها . إن آلافا من الناس يسقطون في هاوية الإلحاد لأن عقولهم المحدودة عاجزة عن إدراك سرائر الله . لا يمكنهم إيضاح مظاهر حوادث العناية الإلهية المدهشة ولذلك يرفضون براهين تلك القوة التي ينسبونها إلى عوامل طبيعية كانوا يفهمونها فهما أقل حتى من فهمهم لقوة الله . إن المفتاح الوحيد لمعرفة الأسرار المستغلقة علينا والمحيطة بنا هو الاعتراف بوجود الله وقدرته فيها كلها . إن الناس بحاجة إلى الاعتراف بالله كمن هو خالق الكون الذي يقول فيكون ويأمر فيصير . إنهم بحاجة إلى نظرة أوسع واشمل لصفاته واسرار وسائله. ML 570.4
أعلن المسيح لسامعيه أنه إذا لم تكن هنالك قيامة أموات فلا فائدة من الكتب المقدسة التي يعترفون بإيمانهم بها ، فقال: “وأما من جهة الأموات إنهم يقومون: أفما قرأتم في كتاب موسى، في أمر العليقة، كيف كلمة الله قائلاً: أنا إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب؟ ليس هو إله أموات بل إله أحياء” (متى 22 : 31 و 32). أن الله يدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة وهو يرى النهاية من البداية ويرى نتيجة عمله كما لو كان قد أكمل . فالموتى الأعزاء من آدم إلى أخر قديس يموت سيسمعون صوت ابن الله ويخرجون من قبورهم لحياة الخلود . إن الله سيكون لهم إلها وهم يكونون له شعبا وستكون هنالك صلة وثيقة ورقيقة بين الله وقديسيه المقامين . فهذه الحالة المنتظرة من قصده يراها هو كما لو كانت كائنة فعلا ، فالأموات أحياء لله. ML 571.1
أبكمت أقوال المسيح جماعة الصدوقيين ، ولم يستطيعوا أن يجيبوه . ولم ينطق يسوع بكلمة واحدة يمكن مؤاخذته عليها أو ادانته بسببها بأي شكل ، فلم يجد خصومه شيئا بل خرجوا مجللين باحتقار الشعب. ML 571.2
إن الفريسيين لم يقطعوا الأمل ، حتى ذلك الحين ، من أن يجروا المسيح لأن ينطق بما يمكن أن يأخذوه حجة ضده . فأقنعوا رجلا عالما من الكتبة بأن يسأل المسيح عن أية وصية من الوصايا العشر في الناموس هي أعظم الكل وأهم الكل. ML 571.3