كانت غاية المسيح من أمثاله التي أوردها غاية مزدوجة ، فقد كان يرمي إلى إنذار الرؤساء وتعليم الشعب الراغب في التعلم . ولكن الحاجة كانت تدعوه لأن يتكلم بصراحة أعظم مما فعل قبلا . إن الشعب بسبب احترامهم للتقاليد وثقتهم العمياء برجال الكهنوت الفاسدين كانوا مستعبدين . ولابد للمسيح أن يحطم تلك الأغلال . فينبغي أن يفضح خلق الكهنة والرؤساء والفريسيين علنا وبكيفية شامل. ML 576.1
فقال: “على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا، لأنهم يقولون ولا يفعلون” (متى 23 : 2، 3). كان الكتبة والفريسيون يدعون أنهم مزودون بسلطان إلهي شبيه بما قد أعطي لموسى . كما ادعوا أنهم أخذوا مكانة كمفسري الناموس وقضاة الشعب . ولهذا الاعتبار طلبوا من الشعب أن يقدموا لهم أعظم إكرام وطاعة . لذا أمر يسوع سامعيه أن يعملوا ما يطلب منهم المعلمون حسب الناموس ولكن لا يتشبهوا بهم ، لأنهم هم أنفسهم لم يمارسوا التعاليم التي كانوا يعلمونها للناس. ML 576.2
ثم إنهم كانوا يعلمون تعاليم كثيرة مناقضة للكتاب المقدس . فقد قال يسوع: “فإنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحرّكوها بإصبعهم” (متى 23 : 4). لقد فرض الفريسيون على الشعب كثيرا من النظم والقوانين المبنية على التقاليد وكانت تحد من الحرية الشخصية إلى حد لا يقبله العقل فكانوا يفسرون بعض أجزاء الشريعة تفسيرا يفرض على الناس بعض الفرائض التي كانوا هم أنفسهم يتجاهلونها في الخفاء . وكانوا أحيانا يدعون أنهم معفون منها حسبما تقتضيه أهواؤهم. ML 576.3
كان الهدف الذي وضعوه نصب عيونهم هو الإشادة بتقواهم والتظاهر بها . وقد بذلوا كل جهدهم في سبيل ذلك ، ولم يكونوا يتورعون عن أي شيء للوصول إلى غرضهم . أمافيما يختص بالوصايا الإلهية فقد أمر الرب موسى قائلا: “واربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك” (تثنية 6 : 8). هذا الكلام له معناه العميق . فإذ يلهج الإنسان بكلمة الله ويمارسها سالكا بموجبها فإنه يصل إلى درجة عظيمة من النبل والسمو . وفي المعاملات البارة الرحيمة تظهر اليدان مبادئ شريعة الله كختم المصادقة على اعتراف الشفتين . وستحفظان من قبول الرشوة وكل فساد وخداع ، وستجتهدان وتنشطان في أعمال المحبة والرحمة . والعينان إذ تتجهان نحو غرض نبيل ستكونان صافيتين وصادقتين . والوجه المعبر والعينان اللتان تنطقان بأفصح بيان تشهد للخلق الذي بلا لوم الذي يتصف به كل من يحب كلمة الله ويكرمها . ولكن اليهود في أيام المسيح لم يفطنوا إلى هذا كله . فان الأمر الذي صدر إلى موسى حرف بحيث فهمه الناس على أن يكتب الإنسان وصايا الله ويجعلها لباسا له . وتبعا لذلك كتبت الوصايا على رقوق وكانت تربط في مكان ظاهر في الجبهة أو على اليد . ولكن هذا الإجراء لم يجعل شريعة الله تتمكن أو تثبت في الذهن والقلب . ولكن الناس كانوا يلبسون تلك الرقوق كسمات أو شارات لتسترعي انتباه الآخرين . وكان يظن أنها تكسب من يلبسونها هيئة التعبد والقداسة التي تلزم الناس بإكرامهم وتوقيرهم ، فوجه يسوع ضربة شديدة إلى هذا الادعاء الباطل. ML 576.4