كان ذلك آخر يوم علَّم فيه المسيح في الهيكل ، وقد اتجهت إليه أنظار كل الجماهير الحاشدة المجتمعة في أورشليم ، وازدحمت كل أروقة الهيكل بالناس ليشهدوا ذلك الصراع المحتدم ، وبكل شوق ولهفة أصغوا إلى كل كلمة نطقت بها شفتاه . لم يسبق للناس أن رأوا مثل ذلك المشهد قط . لقد وقف هناك ذلك الشاب الجليلي وهو لا يحمل أي وسام ملوكي أو مجد أرضي ، وكان يحيط به الكهنة بحللهم الغالية الثمن والرؤساء بثيابهم المزدانة بالأوسمة الدالة على شرف محتدهم ورفعة شأنهم ، والكتبة يحملون الأسفار المقدسة في أيديهم وكانوا يرجعون إليها بين حين وآخر . وقف يسوع أمامهم بكل هدوء وعلى وجهه وقار ملك . وكمن هو مزود بسلطان سماوي نظر بلا خوف ولا وجل إلى خصومه الذين قد رفضوه واستخفوا بتعاليمه وكانوا متعطشين لسفك دمه . لقد هاجمه عدد غفير منهم ، ولكن كل مؤامراتهم التي حاكوها لاصطياده أحبطت وباءت بالفشل . وقد تلقى هجوما في إثر هجوم ، وهو يقدم للناس الحق النقي المتألق بالنور على نقيض ظلمة أخطاء الكهنة والفريسيين . ثم بسط أمام أنظار أولئك الرؤساء حالتهم على حقيقتها ، والقصاص الذي لابد أن يعقب إصرارهم على ارتكاب الأعمال الشريرة . ثم قدم إليهم الإنذار بكل أمانة ، ومع ذلك فقد بقي للمسيح عمل أخر يعمله . كان أمامه غرض آخر يجب إتمامه. ML 575.1
ازداد اهتمام الشعب بالمسيح وعمله ازديادا مطردا . لقد سحرتهم روعة تعاليمه ومع ذلك فقد كانوا في أشد ارتباك . كانوا يوقرون الكهنة والمعلمين لأجل ذكائهم وتقواهم المصطنعة ، وفي كل الشؤون الدينية كان الشعب يقدم للرؤساء طاعة كاملة . ومع ذلك فها هم الآن يرون أولئك الرجال يحاولون إلحاق الإهانات بيسوع المعلم الذي أضاءت فضائله ومعرفته وزاد نورها بتوالي هجماتهم عليه . نظروا إلى وجوه أولئك الكهنة والشيوخ المتجهمة فرأوا الهزيمة والارتباك مرتسمين عليها . وقد ذهلوا لكون الرؤساء رفضوا الإيمان بيسوع مع أن تعاليمه كانت في غاية الوضوح والبساطة . ولم يكونوا هم أنفسهم يعرفون كيف يتصرفون . فبجزع وشوق جعلوا يراقبون حركات أولئك الرؤساء الذين كانوا دائما يتبعون مشورتهم. ML 575.2