كان يسوع في الرواق الذي كانت فيه خزانة الهيكل وكان يراقب الناس الآتين ليقدمواعطاياهم . ثم أتى كثيرون من الأغنياء بمبالغ كبيرة وكانوا يقدمونها بتفاخر وكبرياء . وقد نظر إليهم يسوع بحزن ولم يقل شيئا عن عطاياهم السخية . ولكن فجأة أشرق محياه عندما رأى أرملة فقيرة تقترب بتردد وخجل كأنما تخشى أن يراها أحد . وإذ كان الأغنياء المتغطرسون يتقدمون ليضعوا تقدماتهم تراجعت هي كأنها لا تجرؤ على التقدم أكثر . ومع ذلك كانت تتوق لأن تقدم شيئا ولو قليلا لعمل الرب الذي كانت تحبه . نظرت إلى التقدمة التي في يدها وكانت لا تساوي شيئا أمام عطايا الأغنياء الواقفين من حولها . ومع ذلك كانت تقدمتها هي كل ما تملكه . فانتهزت الفرصة وبسرعة ألقت فلسيها ثم ذهبت في طريقها بعجلة . ولكن فيما كانت تفعل ذلك التقت عيناها بعيني يسوع اللتين حدقتا النظر إليها باشتياق. ML 579.3
ثم دعا المخلص تلاميذه إليه وأمرهم أن يلاحظوا فقر تلك الأرملة . ومن ثم سمعت المرأة كلامه وهو يمتدحها بقوله: “بالحق أقول لكم: إن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع” (لوقا 21 : 3). فانهمرت من عينيها دموع الفرح حين أحست بأن صنيعها قد فهم وحظي بالتقدير . ربما وجد كثيرون ممن نصحوا تلك الأرملة بأن تحتفظ لنفسها بالقليل الذي معها لتستخدمه لنفسها . لأنه إذ يوضع بين أيدي الكهنة المتزمتين فسيضيع بين التقدمات الأخرى الغالية التي يؤتى بها إلى الخزانة . ولكن يسوع فهم بواعثها ، فلقد كانت تؤمن بأن خدمة الهيكل معينة من الله وكانت تتوق لأن تبذل قصارى جهدها للمساهمة في نفقاته . لقد عملت ما استطاعت عمله ، وكان عملها مزمعاً أن يصير نصبا تذكاريا لها مدى الدهر وسبب فرحها في الأبدية . لقد قدمت قلبها مع تقدمتها التي قدرت قيمتها لا بمقدار ما تساويه قطعة النقود ، بل بمقدار محبتها لله واهتمامها بعمله الذي دفعها لتقديمها. ML 579.4
قال يسوع عن هذه الأرملة الفقيرة إنها “ألقت أكثر من الجميع”. إن الأغنياء ألقوا من فضلتهم ، وكثيرون منهم قدموا ما قدموه بقصد المفاخرة والمباهاة والحصول على مجد من الناس ، ولم تحرمهم عطاياهم الكبيرة من متع الحياة أو حتى الترف ، فهي لم تتطلب تضحية ، ولذلك لم تستحق أن تقارن بقيمة ما بلغه فلسا الأرملة. ML 580.1