وانتقل المسيح بسرعة من الكلام عن خراب أورشليم إلى الكلام عن الحدث الأعظم ، وهو آخر حلقة في سلسلة تاريخ هذه الأرض- أي مجيء ابن الله في جلاله ومجده . وبين هذين الحادثين انكشف أمام باصرة المسيح أجيال طويلة من الظلمة ، أجيال مخضبة بالدماء والدموع والعذاب ستجوز فيها كنيسته . لم يكن التلاميذ حينئذ يستطيعون احتمال رؤية تلك المناظر المفجعة ، ولهذا مر المسيح عليها مرورا سريعا دون أن يسهب في الكلام عنها . ثم قال: “لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون. ولو لم تقصّر تلك الأيام لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين تقصّر تلك الأيام”. ولمدى أكثر من ألف سنة كان سيحيق باتباع المسيح اضطهاد هائل لم يسبق للعالم أن رأى له مثيلا . وكان سيقتل من أولئك الأبرار ملايين فوق ملايين . فلو لم تمتد يد الله لحماية شعبه لهلك الجميع . ولقد قال السيد: ” لأجل المختارين تقصّر تلك الأيام” (متى 24 : 21 و 22). ML 597.2
وها هو المسيح الآن يتكلم عن مجيئه الثاني في لغة لا يمكن أن يساء فهمها ، ويحذر سامعيه من المخاطر التي ستسبق مجيئه إلى العالم فيقول: “حينئذ إن قال لكم أحد: هوذا المسيح هنا! أو : هنا! فلا تصدّقوا. لأنه سيقوم مسحاء وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب، حتى يضلّوا لو أمكن المختارين أيضاً. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم. فإن قالوا لكم: ها هو في البرية! فلا تخرجوا. ها هو في المخادع! فلا تصدّقوا”. (متى 24 : 23 — 27). ومن بين العلامات التي أوردها المسيح عن خراب أورشليم قوله إنه سيقوم أنبياء كثيرون ويضلون كثيرين . وقد قام أنبياء كذبة وخدعوا الناس وقادوا جموعا غفيرة منهم إلى البرية . وبعض السحرة والمنجمين ادعوا أن لديهم قوة عجائبية فاجتذبوا الشعب وراءهم إلى الجبال المنعزلة . ولكن هذه النبوة تنطبق أيضاً على الأيام الأخيرة . فالمقصود بهذه أن تكون علامة لمجيء المسيح ثانية . حتى في هذه الأيام يعطي أنبياء كذبة والمسحاء الكذبة آيات وعجائب ليخدعوا تلاميذ الرب ويضلوهم . ألا نسمع في هذه الأيام الصيحة القائلة: “ها هو في اْلبرية؟” ألم يخرج آلاف الناس إلى البرية مؤملين أن يجدوا المسيح ؟ وألا نسمع عن آلاف الجماعات الذين بينهم من يدعون أنهم يتحدثون مع أرواح الموتى ومنهم من يقولون: “ها هو في المخاردع”؟ هذا هو الادعاء الذي يقدمه من يعتقدون بمناجاة الأرواح . ولكن ماذا يقول المسيح ؟ إنه يقول: “لا تصدّقوا. لأنه كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا يكون أيضاً مجيء ابن الإنسان”. ML 597.3