سار يسوع وتلاميذه في طريقهم إلى جثسيماني التي كانت معتكفا عند سفح جبل الزيتون حيث اعتاد السيد المجيء إليه للتأمل والصلاة . كان المخلص يوضح لتلاميذه رسالته إلى العالم والعلاقة الروحية بينه وبينهم التي عليهم أن يدعموها ويحرصوا عليها . والآن فها هو يقدم مثالا . فالقمر يرسل أنواره فيكشف لهم عن كرم عنب زاه . فإذ يوجه التفات تلاميذه إليه يستخدم الكرمة كرمز فيقول: ML 641.2
“أنا الكرمة الحقيقية” (يوحنا 15 : 1) فبدلا من اختيار النخلة الرشيقة أو شجرة الأرز العالية أو شجرة السنديان القوية اختار يسوع الكرمة بعطفها المتعلقة الممتدة مشبها نفسه بها . فالنخلة وشجرة الأرز وشجرة السنديان كل منها تنتصب لوحدها ولا حاجة بها إلى ما يسندها ، أما الكرمة فتلتف حول العريشة وهكذا تتسلق إلى السماء . كذلك المسيح في بشريته كان يعتمد على قدرة الله . لقد أعلن قائلا: “أنا لا أقدر أن أفعل من نفسي شيئاَ” (يوحنا 5 : 30). ML 641.3
قال السيد: “أنا الكرمة الحقيقية”. كان اليهود دائما يعتبرون الكرمة أكرم الأغراس ورمزا لكل ما هو قوي وعظيم ومثمر . وقد شبه إسرائيل بكرمة غرسها في أرض الميعاد. كان اليهود يبنون رجاءهم في الخلاص على صلتهم بإسرائيل (يعقوب). ولكن يسوع يقول: أنا الكرمة الحقيقية . لا تظنوا أن صلتكم بإسرائيل تجعلكم شركاء في حياة الله أو ورثة الوعد . إن الحياة الروحية لا تنال إلا عن طريقي أنا وحدي. ML 641.4
قال يسوع: “أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرّام” (يوحنا 15 : 1). فعلى تلال فلسطين غرس أبونا السماوي هذه الكرمة العظيمة الجميلة . وكان هو نفسه الكرام . وقد اجتذب جمال هذه الكرمة انتباه الكثيرين الذين اعترفوا أنها نازلة من السماء . ولكنها بدت لأنظار رؤساء إسرائيل كعرق من أرض يابسة . فأمسكوا ذلك الغرس ورضضوه وداسوه بأقدامهم النجسة . وكانوا يفكرون في ملاشاته إلى الأبد . ولكن الكرام السماوي لم يغب غرسه هذا عن نظره . فبعدما ظن الناس أنهم قتلوه أخذه الكرام وغرسه من جديد في الجانب الآخر من السور . وما عاد جذع الكرمة يرى بعد ذلك ، فلقد اختفى بعيدا عن هجمات الناس القاسية . ولكن أغصان الكرمة تدلت على السور وكانت تمثل الكرمة . وعن طريق هذه الأغصان كان يمكن أن تطعم بعض الأغصان الغريبة في الكرمة وتتحد بها . فأتت تلك الأغصان المطعمة بثمر . واقتطف عابرو الطريق من هذه الأثمار. ML 642.1
قال المسيح لتلاميذه: “أنا الكرمة وأنتم الأغصان” (يوحنا 15 : 5). فمع أنه كان مزمعا أن يؤخذ منهم فإن اتحاده الروحي بهم لم يكن ليتغير . قال لهم: إن ارتباط واتحاد الغصن بالكرمة يشبه ارتباطكم بي الذي عليكم أن تدعموه . إن الغصن مطعم في الكرمة الحية وإذ تتداخل أنسجة كل من الغصن والكرمة بعضها في بعض ينمو الغصن في جذع الكرمة . وحياة الكرمة تصير هي حياة الغصن . كذلك النفس المائتة بالذنوب والخطايا تنال الحياة بارتباطها بالمسيح ، فإذ يؤمن الخاطئ به كمخلصه الشخصي يتم الاتحاد . إن الخاطئ يقرن ضعفه بقدرة المسيح ، وتفاهته بملء المسيح ووهنه بقوة احتمال المسيح وحينئذ يكون له فكر المسيح . لقد لامست بشرية المسيح بشريتنا ولامست بشريتنا الإلوهية. ML 642.2
وهكذا عن طريق عمل الروح القدس يصير الإنسان شريك الطبيعة الإلهية ويقبل في المحبوب. ML 642.3