كان التلاميذ يظنون أن معلمهم لن يسمح بأن يقبض عليه ، لأن نفس القوة التي جعلت أولئك الرعاع يسقطون كالموتى تستطيع أن تجعلهم عاجزين عن عمل شيء حتى يتمكن يسوع ورفاقه من الهرب . ولكن أملهم خاب فغضبوا عندما رأوا الأعداء يوثقون بالحبال ذاك الذي كانوا يحبونه . حينئذ ثار غضب بطرس ، وفي تهوره استل سيفه محاولا أن يدافع عن معلمه ، ولكنه فقط قطع أذن عبد رئيس الكهنة . وعندما رأى يسوع ما حدث حل وثاق يديه وأن يكن ممسكا بكل قوة بين أيدي عسكر الرومان ، و قال: “دعوا إلي هذا!” ثم لمس الأذن المقطوعة وأبرأها في الحال (لأوقا 22 : 51). ثم قال لبطرس: “رد سيفك إلى مكانه. لأن كل الذي يأخذون السيف بالسيف يهلكون! أتظن أني لا أستطيع الآن أنا أطلب إلى أبي فيقدّك لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة؟” - أي جيشا بدلا من كل تلميذ من تلاميذه . فكان التلاميذ يفكرون قائلين: آه لماذا لا يخلص نفسه ويخلصنا ؟ فجوابا على الفكر الذي جال في خواطرهم ولم يصرحوا به أضاف قائلا: “فكيف تكمّل الكتب: أنه هكذا ينبغي أن يكون؟” “الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟” (متى 26 : 52 — 54 ؛ يوحنا 18 : 11). ML 658.4
إن العظمة التي كان يتصنعها رؤساء اليهود لم تجعلهم يترفعون عن الاشتراك مع الرعاع في مطاردة يسوع . لقد كان القبض عليه أمرا أهم من أن يوكلوه إلى اتباعهم . فقد سار الكهنة والشيوخ الماكرون مع جند الهيكل والأوباش وراء يهوذا إلى جثسيماني . يا لها من صحبة تليق بأولئك الرؤساء للسير معهم - جماعة من الرعاع المشتاقين إلى أي شيء مثير ومسلحين بكل أنواع الأسلحة كأنما يطاردون وحشا ضاريا ! ML 659.1
إذ التفت المسيح إلى الكهنة والشيوخ ثبت عليهم نظرته الفاحصة . والكلام الذي وجهه إليهم حينئذ لم ينسوه مدى الحياة فلقد كان كالسهام المسنونة مصوبة إلى قلوبهم من يدي الله القدير . فبكل جلال وعظمة قال لهم: لقد خرجتم علي بسيوف وعصي كما لو كنت سارقا أو لصا . لقد كنت أجلس كل يوم في الهيكل أعلم . وكانت لديكم فرص كثيرة سانحة لتلقوا علي الأيادي ولكنكم لم تفعلوا شيئا . إن الليل هو أصلح وقت للقيام بعملكم . “هذه ساعتكم وسلطان الظلمة” (لوقا 22 : 53). ML 659.2
حينئذ ارتعب التلاميذ عندما رأوا يسوع يسمح لنفسه بأن يقبضوا عليه ويوثقوه ، وقد آلمهم وأسخطهم كونه سمح بوقوع هذا الإذلال والهوان على نفسه وعليهم . ولم يفهموا كيف يعللون عن تصرفه هذا ، ولاموه لأنه سلم نفسه لأولئك الرعاع . ففي سخطهم وخوفهم اقترح بطرس أن ينقذوا أنفسهم . فتنفيذاً لهذا الاقتراح “تركه الجميع وهربوا” (مرقس 14 : 50). ولكن المسيح كان قد سبق فأنبأ بهذا الهجران إذ قال: “هوذا تأتي ساعة، وقد أتت الآن، تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته، وتتركوني وحدي. وأنا لست وحدي لأن الآب معي” (يوحنا 16 : 32). ML 659.3