عرف المسيح نوايا رئيس الكهنة كما لو كانت كتابا مفتوحا أمامه . وكأنما كان يعرف دخيلة نفس مستجوبه فنفى أن يكون قد ألف مع تابعيه أية جمعية سرية ، أو أنه جمعهم في الخفاء تحت ستار الظلام ليخفي نواياه عن الناس . فليس لديه سر يخفيه فيما يختص بمقاصده أو تعاليمه فأجاب قائلا: “أنا كلّمت العالم علانية. أنا علّمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائماً. وفي الخفاء لم أتكلّم بشيء” (يوحنا 18 : 20). ML 661.1
قارن المخلص بين طريقته في العمل ووسائل المشتكين ضده ، فقد ظلوا يتصيدونه شهورا محاولين أن يمسكوه ليحاكموه محاكمة سرية حتى يمكنهم عن طريق الاستعانة بشهود الزور أن يحصلوا على ما لم يستطيعوا الحصول عليه بالالتجاء إلى العدالة . وها هم الآن ينفذون أغراضهم . لقد كانت وسيلتهم هي الالتجاء إلى الرعاع ليقبضوا عليه في نصف الليل ، والهزء والسخرية به قبل إدانته ، بل حتى قبل تقديم الشكوى ضده ، ولكنها لم تكن وسيلته . لقد كان عملهم انتهاكا لحرمة القانون إذ أعلنت قوانينهم نفسها أن كل متهم ينبغي أن يعامل على إنه بريء إلى أن تثبت إدانته . إن نفس قوانينهم أدانت الكهنة. ML 661.2
ثم التفت يسوع إلى سائله وقال: “لماذا تسألني أنا؟” ألم يرسل الكهنة والرؤساء جواسيس لمراقبة حركاته وإبلاغهم كل ما قاله ؟ ألم يكن هؤلاء الجواسيس حاضرين في كل اجتماع للشعب ونقلوا للكهنة خبرا عن كل أقواله وأعماله ؟ ثم قال له يسوع: “اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلّمتهم. هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا” (يوحنا 18 : 21). ML 661.3
وقد أبكم حنان لأن جواب المسيح كان حاسما . وخيفة أن يقول المسيح شيئا عن أعمال حنان وتصرفاته التي كان يفضل بقاءها طي الكتمان لم يقل للمسيح شيئا آخر في ذلك الحين . فثار أحد ضباط حنان واحتدم غيظه عندما رأى سيده وقد ارتج عليه باب الكلام فلطم يسوع على وجهه قائلا له: “أهكذا تجاوب رئيس الكهنة؟” (يوحنا 18 : 22). ML 662.1
فأجابه يسوع قائلا له بكل هدوء: “إن كنت قد تكلّمت ردياً فاشهد على الردي، وإن حسناً فلماذا تضربني؟” (يوحنا 18 : 22 و 23). إنه لم ينطق بكلام الانتقام الناري . إن طريقته الهادئة في الكلام والتصرف نبعت من قلب طاهر صبور ورقيق لا يمكن استفزازه. ML 662.2