كان يوم ذلك السبت يوما لم يمكن أن ينساه التلاميذ الحزانى ، وكذلك الكهنة والرؤساء والكتبة والشعب . وعند غروب الشمس في مساء يوم الاستعداد ضربت الأبواق إيذانا بقدوم السبت . وقد مورس الفصح كما سبق أن مورس منذ قرون طويلة خلت ، بينما ذاك الذي كان الفصح يرمز إليه قتل بأيدي أثمة ودفن بقبر يوسف . وفي يوم السبت امتلأت أروقة الهيكل بالعابدين . وبعد عودة رئيس الكهنة من جلجثة كان هناك متسربلا بأبهى ثيابه المقدسة ، بينما الكهنة اللابسون العمائم البيض الممتلئون نشاطا كانوا يقومون بواجباتهم . ولكن بعض من كانوا حاضرين لم يكونوا مستريحين إذ كان دم الثيران والتيوس يقدم عن الخطية . إنهم لم يكونوا يحسون بأن الرمز قد التقى بالمرموز إليه ، وبأن ذبيحة سرمدية قدمت لأجل خطايا العالم . ولم يعلموا أنه لم تبق قيمة لممارسة الخدمة الطقسية . ولكن لم يسبق لتلك الخدمة أن شوهدت بمثل تلك المشاعر المتضاربة . وكانت الأبواق والآلات الموسيقية وأصوات المغنين عالية وواضحة كالعادة . ولكن شعورا بالتنافر والشذوذ ساد على كل شيء . وجعل الواحد يسأل الآخر عن حادث غريب قد حدث . كان قدس الأقداس قبل ذلك مصونا ومحروسا من كل تطفل ، أما الآن فقد بدا مكشوفا لعيون الجميع . فالحجاب السميك المصنوع من القماش المزركش ومن الكتان النقي والمنسوج بالذهب والإسمانجوني والأرجوان انشق من فوق إلى أسفل ، فذلك المكان الذي كان الرب يتقابل فيه مع رئيس الكهنة ليعلن له مجده ، المكان الذي كان غرفة استقبال الله المقدسة- صار مكشوفا لكل عين ، مكانا ما عاد الرب يقيم له أي اعتبار وكان الكهنة يخدمون أمام المذبح وقد امتلأت قلوبهم بالوساوس المحزنة . إن انكشاف قدس الأقداس ملأهم بالرعب والتطير من توقع حدوث كارثة. ML 734.1
انشغل كثيرون بأفكار أوحت بها مشاهد جلجثة . فمنذ يوم الصلب إلى يوم القيامة كان كثيرون ساهرين يفتشون النبوات ، بعض منهم كانوا يفتشون الكتب ليعرفوا المعنى الكامل للعيد الذي كانوا يحتفلون به ، والبعض الآخر ليجدوا برهانا على أن يسوع ليس كما كان يدعي ، بينما غيرهم كانوا بقلوب مثقلة بالحزن يبحثون عن براهين تدل على أنه مسيا الحقيقي . ومع أنهم كانوا يفتشون الكتب لأغراض متباينة فقد اقتنعوا كلهم بنفس الحق — وهو أن النبوات قد تمت في الحوادث التي جرت في الأيام القليلة الماضية وأن المصلوب هو فادي العالم . وكثيرون ممن اشتركوا في الخدمة في ذلك الحين لم يشتركوا بعد ذلك قط في طقوس الفصح ، وكثيرون حتى من الكهنة أنفسهم اقتنعوا بصفات يسوع الحقيقية .إن تفتيشهم للكتب لم يكن عبثا ، وبعد قيامته اعترفوا أنه ابن الله. ML 734.2
إن نيقوديموس عندما رأى يسوع مرفوعا على الصليب ذكر كلام السيد الذي قاله له في تلك الليلة وهما معا في جبل الزيتون . فلقد قال المسيح: “وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يومن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 3 : 14 و 15). وفي يوم السبت عندما كان المسيح مدفونا في القبر كانت لدى نيقوديموس فرصة للتأمل . لقد استنار عقله الآن بنور أوضح ، وما عاد الكلام الذي خاطبه به يسوع غامضا ، كما أحس بأنه خسر كثيرا لكونه لم يرتبط بالمخلص مدى حياته. والآن هاهو يتذكر حوادث جلجثة . فصلاة المسيح لأجل قاتليه وجوابه على توسل اللص المائت - كل ذلك تحدث إلى قلب هذا المشير المتعلم ، بقوة عظيمة . ثم نظر أيضاً إلى المخلص وهو يعاني سكرات الموت وسمع صرخته القائلة: “قد أكمل” التى نطق بها كقائد منتصر ، ثم رأى الأرض تتزلزل والسماوات يغطيها الظلام وحجاب الهيكل ينشق والصخور تتشقق فثبت إيمانه إلى الأبد . إن نفس الحادثة التى هدمت آمال التلاميذ أقنعت يوسف ونيقوديموس بألوهية يسوع . لقد تبددت مخاوفهما وانتصرت عليها شجاعة إيمانهما الثابت الذي لا يتزعزع. ML 735.1