إن المسيح لم يسترع انتباه الجموع من قبل كما حدث الآن وهو راقد في القبر . فكما كانوا يفعلون قبلا أتى الشعب بمرضاهم والمعذبين منهم ووضعوهم في أروقة الهيكل وهم يتساءلون قائلين: من يستطيع أن يخبرنا عن يسوع الناصري ؟ وقد أتى كثيرون من أماكن بعيدة ليجدوا ذاك الذي كان يشفي المرضى ويقيم الموتى . ومن كل جانب كانت تسمع هذه الصرخة: إننا نريد المسيح الشافي ! وفي تلك الفرصة كان الكهنة يفحصون أولئك الذين كان يظن أن أعراض البرص قد ظهرت عليهم ، وكثيرات من النساء كن يسمعن الحكم على أزواجهن ، والأزواج على زوجاتهم والآباء على أولادهم بأنهم قد أصيبوا بالبرص وأنه محكوم عليهم بالخروج من كنف بيوتهم والابتعاد عن رعاية أصدقائهم وأن عليهم أن يحذروا كل غريب بتلك الصرخة المبكية القائلة: “نجس . نجس”. ولكن يدي يسوع الناصري المحبتين اللتين لم ترفضا قط أن تلمسا أي أبرص كريه بتلك اللمسة الشافية هما الآن مطويتان على صدره . والشفتان اللتان كانتا تخاطبان الأبرص بكلام العزاء قائلتين “أريد، فاطهر!” (متى 8 : 3) هما الآن صامتتان . وعبثا لجأ الكثيرون إلى الكهنة والرؤساء في طلب العطف والراحة . وبدا وكأنهم مصممون على أن يكون المسيح حيا بينهم ثانية . وبغيرة وإصرار سألوا عنه وقد أبوا أن ينصرفوا ، ولكنهم طردوا من أروقة الهيكل وأوقف الجند على الأبواب ليمنعوا دخول الجموع الذين أتوا بالمرضى والمحتضرين طالبين الدخول. ML 735.2
غاصت قلوب المتألمين الذين أتوا يطلبون الشفاء من المخلص في أعماق هوة اليأس والخيبة . وامتلأت الشوارع بالصراخ والعويل والبكاء . وكاد المرضى يموتون افتقارا إلى لمسة يسوع الشافية . وعبثا استشاروا الأطباء إذ لم يكن بينهم أحد ماهرا كذاك الذي كان مدفونا في قبر يوسف. ML 736.1
هذا، وإن النوح والبكاء الذي كان يسمع من كل مكان أقنع ألوف الناس بأن نورا عظيما قد انطفأ من العالم . فبدون المسيح كانت الأرض قتاما وظلاما ومكتنفة بالأحزان . وكثيرون ممن كانوا قد رفعوا أصواتهم قائلين: “اصلبه، اصلبه” تحققوا الآن هول الكارثة التى حلت بهم ، ورغبوا في أن يصرخوا قائلين: أعيدوا إلينا يسوع ! لو كان ما زال حيا. ML 736.2
وعندما علم الشعب أن يسوع قد قتل بأيدي الكهنة جعلوا يستخبرون عن موته . وقد أبقيت تفصيلات محاكمته سرا على قدر الإمكان ، ولكن المدة التي كان السيد فيها مدفونا في القبر كان اسمه يتردد على أفواه ألوف من الشعب . وتناقلت الألسنة في كل مكان أنباء تلك المحاكمة المزورة الكاذبة ووحشية الكهنة والرؤساء . وقد دعا الأذكياء بين الشعب جماعة الكهنة ليوضحوا لهم النبوات الواردة عن مسيا في العهد القديم ، فإذ حاول الكهنة الالتجاء إلى الكذب في إجابتهم صاروا كالمجانين ولم يستطيعوا شرح النبوات التي كانت تشير إلى آلام المسيح وموته . وكثيرون من أولئك المستفسرين اقتنعوا بأن المكتوب قد تم. ML 736.3