رأى الشيطان أن عليه أن يكون إما قاهرا أو مقهورا ، وكان يعلق أهمية عظيمة على نتيجة ذلك الصراع إذ كان ينطوي عليها أشياء كثيرة ، فلم يستأمن عليها أحد ملائكته المتحالفين معه ، بل ينبغي له أن يقود المعركة بنفسه ، فاصطفت كل قوى الارتداد ضد ابن الله ، وبذلك صار المسيح هدفا لسهام كل قوات الجحيم. ML 97.2
إن كثيرين ينظرون إلى هذا الصراع بين الله والشيطان على أنه لا علاقة خاصة له بحياتهم. ولذلك فهو لا يتطلب منهم اهتماما كبيرا . ولكن هذا الصراع يتكرر في أعماق كل قلب بشري . ولا يمكن أن إنسانا يترك صفوف جيش الشر من أجل خدمة الله دون أن يهاجمه الشيطان . إن الإغراءات التي قاومها المسيح هي نفسها التي نجد صعوبة في الصمود لها . لقد صبت عليه تلك الإغراءات بقوة أشد عنفا مما تهجم به علينا بنسبة سمو أخلاقه عن أخلاقنا . وإذ كان عبء خطايا العالم الفظيع يثقل كاهله ثبت المسيح أمام تجربة الشهية (شهوة الطعام) وتجربة محبة العالم وتعظم المعيشة أي التفاخر الذي يؤدي إلى الغطرسة . لقد كانت هذه هي التجارب التي انهزم بها آدم وحواء والتي سرعان ما نستسلم نحن لها. ML 97.3
وقد أشار الشيطان إلى خطية آدم كدليل على أن شريعة الله جائرة متعسفة ولا يمكن إطاعتها. وإذ اتخذ المسيح جسم بشريتنا كان عليه أن يعوض عن سقوط آدم ويفتديه . ولكن عندما هاجم العدو آدم ، لم يكن في قلبه أي أثر للخطية . فوقف في قوة الرجولة الكاملة وكان يتمتع بنشاط عقلي وجسماني كامل ، وكان محاطا بأمجاد عدن وكانت له شركة مع الخلائق السماوية كل يوم . ولم يكن الأمر كذلك مع يسوع حين دخل إلى مجاهل البرية ليكافح مع الشيطان . لقد ظلت قوى الناس البدنية والذهنية والأدبية تتضاءل شيئا فشيئا مدى أربعة آلاف سنة . فأخذ يسوع على نفسه ضعفات البشرية وانحطاطها .وبدون هذه الوسيلة ما كان يستطيع أن ينتشل الإنسان من أعمق أغوار انحطاطه و فساده ML 98.1
كثيرون يدعون أنه كان من المستحيل على المسيح أن ينهزم أمام التجربة. ولو كان الأمر كذلك لما أمكن أن يأخذ مكان آدم ، ولما أمكنه أن يحرز النصرة التي قصر آدم عن إحرازها . ولو كانت حروبنا أشد وطأة مما على يسوع بأي معنى من المعاني ففي هذه الحال لا يمكنه أن يعيننا . ولكن مخاصنا أخذ جسم بشريتنا بكل احتمالاتها وتبعاتها . لقد اتخذ طبيعة الإنسان بما فيها من إمكانية الخضوع للتجربة . فليس هنالك ما نلتزم أن نتحمله مما لم يتحمله هو قبلنا. ML 98.2