ومن بين كل التعاليم التي علينا أن نتعلمها من تجربة السيد الأولى لا شيء أهم من الدرس الخاص بضبط الشهية والشهوة. ففي كل العصور نجد أن التجارب التي تهجم على الطبيعة الإنسانية كانت ولا تزال فعالة جدا في إفساد البشرية وجلب الهوان عليها. إن الشيطان عن طريق الإفراط في الأكل والشرب يعمل على تحطيم وتدمير قوى الإنسان الذهنية والأدبية التي قد منحها له الله على أنها هبات لا تقدر بثمن . وهكذا يصير من المستحيل على الناس أن يقدروا الأشياء ذات القيمة الأبدية . فعن طريق الانغماس الشهواني يحاول إبليس أن يمحو من النفس كل أثر لصورة الله. ML 103.3
إن الانغماس الجامح والإفراط في إشباع الشهوات وما نجم عن ذلك من أمراض وانحطاط ، الأمور التي كانت موجودة عند المجيء الأول للمسيح ، ستكون موجودة أيضاً بأكثر شدة وشر قبل مجيئه الثاني. والمسيح يعلن أن حالة العالم حينئذ ستكون كحالته قبل الطوفان ، وكما كانت في سدوم وعمورة قبل تدميرهما ، سيكون تصور أفكار قلوب الناس شريرا كل يوم . إننا الآن عائشون على أبواب ذلك الوقت المخيف ، فعلينا أن نعي في قلوبنا درس صوم المخلص هذا . وعن طريق العذاب الذي لا يعبر عنه والذي احتمله المسيح يمكننا أن نُقدر شر الشهوات الجامحة . إن مثاله يعلن لنا أن رجاءنا الوحيد في الحياة الأبدية هو في إخضاع شهيتنا وشهواتنا لإرادة الله. ML 104.1
ولكن يستحيل علينا بقوتنا الذاتية أن ننكر عنف طبيعتنا الفاسدة التي عن طريقها يأتينا الشيطان بالتجربة. لقد عرف المسيح أن العدو سيهاجم كل إنسان ويستفيد من ضعفه الوراثي وسيحاول بدسائسه وأكاذيبه أن يوقع في أشراكه كل من لم يضعوا ثقتهم بالله . إن سيدنا إذ سار في الطريق الذي علينا أن نسير فيه قد أعد لنا طريق النصرة . إنه لا يريدنا أن نقف في مواقف حرجة في حربنا مع الشيطان ولا يريدنا أن نجبن أو تهمد عزائمنا أمام هجمات الحية . يقول لنا: “ثقُوا: أَنا قَد غَلبتُ اْلعاَلم” (يوحنا 16 : 33). ML 104.2
فعلى من يصارع ضد سلطان الشهية أن ينظر إلى المخلص في برية التجربة. فانظروه في نزاعه على الصليب وهو يصرخ قائلا: “أَنا عطشانُ” (يةحنا 19 : 28). لقد احتمل كل ما في استطاعتنا أن نتحمله . وانتصاره يحسب لنا ML 104.3