وعندما قال المسيح للمجرّب: “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (متى 4 : 4). كان يردد نفس الكلمات التي كان قد تكلم بها في مسامع بني الله قبل ذلك بأكثر من ألف وأربع مئة سنة عندما قال: “سار بك الرب إلهك هذه الأربعين سنة في القفر ... فأذلّك وأجاعك وأطعمك المن الذي لم تكن تعرفه ولا عرفه أباؤك، لكي يعلّمك أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل ما يخرج من فم الرب يحيا الإنسان” (تثنية 8 : 2 و 3). ففي البرية التي خلت من كل وسائل الإعالة كان الرب ينزل لشعبه المن من السماء بلا انقطاع بكميات كانت كافية لكل الشعب . وقد كان القصد من تدبير هذه المؤونة لهم أن يعلمهم أنهم طالما كانوا متكلين على الله وسائرين في طرقه فلن يتركهم . والآن ها هو المخلص يمارس نفس الدرس الذي كان قد سبق فعلمه لإسرائيل . إذ بكلمة الله قدم القوت والعون للشعب الإسرائيلي ، وبنفس الكلمة تقدم المعونة ليسوع الذي انتظر الوقت المعين من الله لإرسال المعونة والنجدة . لقد كان في البرية إطاعةً لله ، ولم يكن يريد أن يحصل على الطعام باتباع مقترحات الشيطان. فأمام شهود المسكونة أجمعين شهد بأن احتمال أي خطب مهما عظم شأنه يعتبر كارثة أقل هولا من كارثة الانحراف عن طريق الله. ML 102.1
“ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله”. في أحيان كثيرة يأتي تابع المسيح إلى حيث لا يستطيع أن يعبد الله ويتقدم في مشاريعه الدنيوية في نفس الوقت . وقد يبدو أحيانا أن إطاعته لمطاليب الله الصريحة تقطع عنه مورد المعيشة ويلقي الشيطان في روعه أن عليه أن يضحي بعقائده السليمة المستقيمة . ولكن الشيء الوحيد الذي يمكننا الاعتماد عليه في كل العالم هو كلمة الله . “ أطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه، وهذه كلها تزاد لكم” (متى 6 : 33). وحتى في هذه الحياة ليس من صالحنا الابتعاد عن إرادة أبينا السماوي . فمتى عرفنا قوة كلمته فلن نتبع مقترحات الشيطان للحصول على الطعام أو لإنقاذ حياتنا . والسؤالان اللذان لا ثالث لهما سيكونان هذين: بماذا يأمرنا الله ، وبماذا يعدنا؟ فمتى عرفناهما فسنطيع أمره ونثق بوعده. ML 103.1
وفي الحرب الأخيرة العظيمة التي سيثيرها الشيطان سيرى الذين يبقون على ولائهم لله أن كل أسباب الإعالة الأرضية قد حرمت عليهم . فلكونهم يرفضون تعدي شريعة الله إطاعةً للسلاطين والقوات الأرضية فلن يسمح لهم بالتعامل في البيع والشراء . وسيقضى عليهم بالموت في النهاية . (أنظر ما ورد في رؤيا 13 : 11 — 17). ولكن الرب يقدم هذا الوعد للمطيعين: “هو في الأعالي يسكن. حصون الصخور ملجأه. يعطي خبزه، ومياهه مأمونة” (إشعياء 33 : 16). بهذا الوعد سيعيش أولاد الله. وعندمت تجتاح المجاعات الأرض سيأكلون للشبع، “لا يخزون في زمن السوء، وفي أيام الجوع يشبعون” (مزمور 37 : 19). وقد نظر النبي حبقوق إلى ذلك الزمن المستقبل، زمن الضيق، فعبر بكلامه عن إيمان الكنيسة قائلاً: “فمع أنه لا يزهر التين، ولا يكون حمل في الكروم. يكذب عمل الزيتونة، والحقول لا تصنع طعاماً. ينقطع الغنم من الحظيرة، ولا بقر في المذاود، فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي” (حبقوق 3 : 17، 18). ML 103.2