ممهدة كان يتقدم أمام مركبته جماعة من الناس ليمهدوا أمامه الطريق فيخفضون المرتفعات المنحدرة ويملأون المنخفضات حتى يمكن أن يسافر الملك آمنا لا يعوقه عائق. والنبي يستخدم هذه المادة هنا في وصف عمل الإنجيل: “كُلُّ وَطَاءٍ يرتَفع ، وكَلُّ جبل وَأَكَمة ينْخَفض”. إن روح الرب عندما يلمس النفس بقوته المحيية العجيبة تخفض كبرياء الإنسان . وسيرى الناس أن المسرات العالمية والمركز والسلطان أشياء تافهة لا قيمة لها لأن الظنون “وَكُلَّ علْوٍ يرتَفع ضد معرِفَة اللهِ” لابد أن تهدم . وكل فكر لابد أن يستأسر إِلَى طَاعة الْمسيحِ” (2 كورنثوس 10 : 5). ثم أن الوداعة والمحبة المضحية اللتين يستهين بهما الناس ترتفعان على اعتبار أن لهما قيمة عظيمة دون سواهما . هذا هو عمل الإنجيل الذي كانت رسالة يوحنا جزءا منه. ML 114.2
ولكن أولئك الأحبار عادوا يسألون يوحنا قائلين: “فَما باُلك تُعمد إِنْ كُنْتَ لَستَ الْمسيح ، وَلاَ إِيليا ، وَلاَ النَّبِي؟” (يوحنا 1 : 25). إن كلمة “النبي” كانت تشير إلى موسى . لقد كان اليهود يميلون إلى الاعتقاد أن موسى سيقام من الأموات ويؤخذ إلى السماء . ولم يكونوا يعلمون أنه قد قام . وعندما بدأ المعمدان خدمته ظن كثيرون أن موسى النبي قد قام من الأموات لأنه كان ملما إلماما كاملا بالنبوات وبتاريخ إسرائيل. ML 114.3
وكان الاعتقاد أيضاً أنه قبل مجيء مسيا سيظهر إيليا بشخصه. ولكن هذا الانتظار قابله يوحنا بالإنكار . إلاّ أن كلامه كان له معنى أعمق . وقد قال يسوع بعد ذلك مشيرا إلى يوحنا: “وَإِنْ أَرَدْتُم أَنْ تَقْبُلوا ، فَهذَا هو إِيليا الْمزمع أَنْ يأْتي” (متى 11 : 14). لقد جاء يوحنا بروح إيليا وقوته ، ليقوم بعمل كالذي قام به إيليا . فلو قبله اليهود لكان ذلك العمل قد أكمل لهم . ولكنهم لم يقبلوا رسالته ، إذ بالنسبة إليهم لم يكن هو إيليا فلم يستطع أن يتمم لهم الرسالة التي قد أتى لاتمامها. ML 115.1
كثيرون ممن اجتمعوا عند نهر الأردن كانوا حاضرين عندما اعتمد يسوع ، ولكن العلامة التى أعطيت حينئذ لم تعلن إلاّ لنفر قليل منهم. ففي أوائل شهور خدمة المعمدان رفض كثيرون النداء الذي أطلقه لهم ليتوبوا . وهكذا قسوا قلوبهم وأظلمت أذهانهم . فلما شهدت السماء ليسوع عند عماده لم يلاحظوا ذلك ، فالعيون التي لم تلتفت قط بإيمان إلى غير المنظور لم تشاهد إعلان مجد الله ، والآذان التي لم تصغ قط إلى صوته لم تسمع كلمات الشهادة . وكذلك الحال اليوم . ففي كثير من الأحيان يعلن حضور المسيح والملائكة الخادمين في وسط اجتماعات الشعب ، ومع ذلك فكثيرون لا يدرون عن ذلك ولا يرون شيئا غير عادي . ولكن حضور المسيح يعلن للبعض الآخر ، فتنتعش قلوبهم بالسلام والرجاء ويتعزون ويتشجعون و يتباركون. ML 115.2