ثم أن أولئك المبعوثين من أورشليم سألوا يوحنا قائلين “فما بالك تعمّد؟” ولبثوا ينتظرون منه جواباً. وفجأة إذ كان يوحنا يدور بعينيه بين تلك الجموع التهبت عيناه وأشرق وجهه واضطرم في نفسه إنفعال عميق. ثم بسط يده وصاح قائلاً: “أنا أعمّد بماء، ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه. هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدّامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه” (يوحنا 1 : 26 و 27). ML 115.3
فكانت تلك الرسالة التى كان على أولئك المبعوثين أن يحملوها إلى مجمع السنهدريم واضحة وقاطعة. ولم تكن كلمات يوحنا تنطبق على شخص آخر غير ذاك الذي سبق الإنباء عنه منذ أمد بعيد . لقد كان مسيا في وسطهم فجعل الكهنة والرؤساء يتلفتون حولهم في دهشة وذهول لعلهم يرون ذاك الذي تكلم عنه يوحنا ، ولكن لم يمكنهم تمييزه من بين ذلك الجمع. ML 116.1
لما أشار يوحنا إلى يسوع وقت عماده وقال عنه أنه حمل الله ، أريق نور جديد على عمل مسيا ، إذ اتجه فكر نبي البرية إلى ما قاله إشعياء: “كَشَاةٍ تُساقُ إِلَى الذَّبحِ” (إشعياء 53 : 7). وفي الأسابيع التالية درس يوحنا النبوات وكل ما يختص بالخدمة الكفارية باهتمام عظيم . إنه لم يميز بكل جلاء بين مظهري عمل المسيح كذبيح متألم وكملك قاهر- ولكنه كان يعلم أن مجيئه له دلالة أعمق مما كان يفهمه الكهنة أو الشعب . وعندما رأى يسوع بين الجمع عند عودته من البرية كان ينتظر منه بكل ثقة أنه سيقدم للشعب علامة تظهره على حقيقته ، وبصبر كاد ينفد انتظر من المخلص أن يعلن عن رسالته ، ولكنه لم ينطق بكلمة ولا صنع آية . إن يسوع لم يستجب لإعلان المعمدان عنه بل اندمج بين تلاميذ يوحنا دون أن يقدم برهانا ظاهرا على عمله الخاص ودون أن يتخذ أي إجراء لإشهار نفسه . ML 116.2