إن يسوع لم يبدأ خدمته بعمل عظيم أمام السنهدريم في أورشليم. ولكنه أظهر قدرته في حفل عائلي في إحدى قرى الجليل الصغيرة ، وذلك ليزيد من فرح وليمة عرس ، وبهذه الكيفية أظهر مشاركته للناس ورغبته في إسعادهم . لقد شرب هو نفسه كأس الويل والألم وهو في برية التجربة . ثم خرج من هناك ليقدم للناس كأس البركة بتقديسه علاقات الحياة البشرية. ML 124.1
عاد يسوع من الأردن إلى الجليل ، وكان سيقام حفل عرس في قانا ، وهي قرية لا تبعد كثيرا عن الناصرة ، وكانت العائلتان من أقرباء يوسف ومريم. فإذ علم يسوع بهذا الحفل العائلي ذهب إلى قانا إذ كان هو وتلاميذه قد دعوا إلى تلك الوليمة. ML 124.2
وقد تقابل هناك مرة أخرى مع أمه التي كان قد انفصل عنها بعض الوقت. كانت مريم قد سمعت عن ذلك الظهور العجيب عند الأردن في وقت معموديته إذ قد انتقلت تلك الأخبار إلى الناصرة . فأعادت تلك الأخبار إليها المناظر العجيبة التي كانت قد حفظتها في قلبها سنين طويلة . إن أخبار رسالة المعمدان قد أثارت مريم بشدة ، كما أثارت غيرها من الشعب ، وتذكرت جيدا النبوة التي قيلت قبل ميلاد يسوع . هذا وإن صلته بيسوع أضرمت في قلبها نار الرجاء من جديد . ولكنها كانت قد علمت أيضاً بانطلاق يسوع الغامض إلى البرية فاضطربت واكتنفت نفسها تطيرات مزعجة. ML 124.3
إن مريم منذ سمعت إعلان الملاك لها وهي في بيتها في الناصرة اختزنت في نفسها كل دليل على أن يسوع هو مسيا. إن حياته الجميلة الخالية من الأنانية أكدت لها أنه لابد أن يكون هو المرسل من الله ومع ذلك فقد ظهرت لها أيضاً بعض الشكوك والمفشلات . فكانت تتوق إلى اليوم الذي فيه يظهر مجده . لقد فصل الموت بينها وبين يوسف الذي كان مثلها يعرف أسرار ميلاد يسوع . أما الآن فلم يكن هناك من تبثه آمالها وتخبره عن مخاوفها . كان الشهران السابقان أيام حزن شديد . كانت قد افترقت عن يسوع الذي كانت تجد في عطفه العزاء . وكانت تفكر في كلام سمعان حين قال لها: “وَأَنت أَيضا يجوزُ في نَفْسك سيف” (لوقا 2 : 35). كما ذكرت ثلاثة أيام العذاب حين ظنت أن يسوع افترق عنها إلى الأبد وكانت تنتظر عودته بقلب جزع وممزق. ML 124.4