هذا الجواب الذي يبدو مقتضبا لم يكن يعبر عن أي فتور أو فظاظة. فلقد كان أسلوب خطاب المخلص الموجه لأمه على وفاق مع عادات الشرقيين ، إذ كان يوجه إلى من يقصد توقيرهم واحترامهم . إن كل عمل من أعمال المسيح على الأرض كان متمشيا مع الأمر الذي كان هو نفسه قد وضعه عندما قال: “أَكرِمْ أَباكَ وَأُمك” (خروج 20 : 12). وإذ كان معلقا على الصليب أظهر آخر دليل على رقته ومحبته نحو أمه بأن خاطبها بمثل ما يخاطبها به الآن ، عندما استودعها لرعاية يوحنا الحبيب أحب التلاميذ إلى نفسه . ففي وليمة العرس هذه كما وهو على الصليب نرى أن المحبة التي عبرت عنها نغمة كلامه ونظرته وأسلوبه قد فسرت كلامه. ML 126.1
عندما زار يسوع الهيكل في صباه وانكشف أمامه سر عمله في الحياة قال لمريم: “أَلَم تَعلَما أَنَّه يْنبغي أَنْ أَكُونَ في ما لأَبِي؟” (لوقا 2 : 49). هذه الكلمات نصت على عمل حياته وخدمته كلها . لقد كان كل شيء موقوفا على عمله ، عمل الفداء العظيم الذي قد أتى إلى العالم ليعمله . وها هو الآن يردد نفس الدرس . كان هنالك خطر لئلا تعتبر مريم أن صلتها بيسوع تجعل لها دالة خاصة عليه ، وبعض الحق في توجيهه في رسالته وعمله إنه مدى ثلاثين عاما كان ابنا محبا ومطيعا لها ، ولم تنقص محبته لها ولا تبدلت ، ولكن عليه الآن أن يبدأ بعمل أبيه . فكابن العلي ومخلص العالم ينبغي ألاّ تعطله العلاقات الأرضية عن إتمام رسالته أو تؤثر في تصرفاته ، بل ينبغي أن يقف حرا ليتمم إرادة الله وهذا الدرس موجه لنا نحن أيضاً ، فإن مطاليب الله هي الأعظم والمفضلة حتى على صلات القرابة الأرضية ، كما ينبغي ألاّ يحول أي جاذب أرضي أقدامنا عن الطريق الذي يأمرنا الرب بالسير فيه. ML 126.2
إن الرجاء الوحيد لفداء جنسنا الساقط هو في المسيح. وما كانت مريم لتجد الخلاص إلاّ عن طريق حمل الله ، إذ لم يكن فيها أي استحقاق شخصي . وعلاقتها بيسوع لم تجعلى لها أية ميزة روحية أو علاقة تقربها منه أكثر من أي نفس أخرى. وهذا ما يدل عليه كلام المخلص ، حيث جعل فرقا واضحا بين علاقته بها كابن الإنسان وعلاقته كابن الله .إن صلة القرابة بينهما لم تجعلها قط في مركز مساوٍ له. ML 126.3