لقد امتلأ قلب تلك المرأة فرحا وهي تصغي إلى كلام المسيح ، حيث كان ذلك الإعلان العجيب قويا وغامرا. فإذ تركت جرتها عادت إلى المدينة حاملة تلك الرسالة إلى بني شعبهما . وقد عرف المسيح لماذا ذهبت . وإن تَركها لجرتها كان برهانا صريحا على تأثير كلامه فيها . لقد كان شوق قلبها الحار أن تحصل على الماء الحي ، فنسيت غرضها من الذهاب إلى البئر كما نسيت عطش المخلص الذي كانت تقصد أن ترويه . وبقلب يفيض فرحا أسرعت في طريقها لتشرك معهما غيرها في النور الذي قد حصلت عليه. ML 168.1
صاحت المرأة تقول لرجال المدينة: “ هلموا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح؟” (يوحنا 4 : 29). فمست رسالتها قلوبهم ، كما بدا على وجهها تعبير جديد ، وكان هنالك تغيير شامل في مظهرها، ولذا اهتم الناس برؤية يسوع: “فخرجوا من المدينة وأتوا إليه” (يوحنا 4 : 30). ML 168.2
وإذ كان يسوع لا يزال جالسا على البئر ألقى نظرة على حقول الحنطة الممتدة أمامه وقد أضاء نور الشمس على تلك الحقول اليانعة. وحين وجه التفات تلاميذه إلى ذلك المنظر أراد أن يتخذ منه رمزا وأمثولة فقال: “أما تقولون: إنه يكون أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد؟ ها أنا أقول لكم: ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد ابيضّت للحصاد” (يوحنا 4 : 35). وفيما هو يتكلم كان ينظر جماعات الناس القادمين إلى البئر . كان باقيا أربعة أشهر حتى يأتي حصاد الحنطة ، ولكن هنا كان الحصاد معدا ليجمعه الحصادون. ML 168.3
ثم قال أيضاً: “ والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمراً للحياة الأبدية، لكي يفرح الزارع والحاصد معاً. لأنه في هذا يصدق القول: إن واحداً يزرع وآخر يحصد” (يوحنا 4 : 36، 37). والمسيح هنا يشير إلى الخدمة المقدسة التي هي من حق الله على الذين يقبلون الإنجيل . عليهم أن يكونوا عاملين أحياء لأجله . إنه يطلب من كل منهم أن يخدمه . وسواء أكنا نزرع أو نحصد فإننا عاملون لأجل الله . فهذا يبذر البذار وذاك يجمع الحصاد ، والزارع والحاصد كلاهما يأخذ أجرة ، وهما يفرحان معا بجزاء تعبهما. ML 168.4
قال يسوع لتلاميذه: “ أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه. آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم” (يوحنا 4 : 38). وقد كان المخلص هنا ينظر إلى الحصاد العظيم في يوم الخمسين . وما كان للتلاميذ أن يعتبروا ذلك نتيجة مساعيهم وجهودهم الذاتية . لقد دخلوا على تعب قوم آخرين ، فمنذ أن سقط آدم سلم المسيح بذار الكلمة لعبيده المختارين ليزرعوها في قلوب الناس ، غير أن عاملا غير منظور وقوة الرب القادر على كل شيء كانت تعمل بسكون ولكن بقوة فعالة لجمع الحصاد . إن ندى نعمة الله والمطر والشمس أعطيت كلها لإنعاش بذار الحق وتغذيته . كان المسيح مزمعا أن يروي البذار بدمه . وكان امتياز تلاميده أن يكونوا عاملين مع الله . فكانوا شركاء المسيح في عمله وشركاء قديسي الأزمنة القديمة . وإذ انسكب الروح القدس في يوم الخمسين اهتدت آلاف الناس إلى الله في يوم واحد . فكان هذا نتيجة زرع المسيح وحصاد عمله. ML 169.1