أحياناً كثيرة يطرح السؤال: هل الجمعيات المختصة بالعلم و الأدب مفيدة لشبيبتنا؟ للإجابة عن هذا السؤال كما يليق ينبغي أن ندخل في اعتبارنا ليس فقط الغاية الظاهرة من هذه الجمعيات، بل ما تتركه بالفعل من تأثير كما قد تبرهن بالإختبار. إن تنمية العقل واجب نحن مدينون به لأنفسنا و للمجتمع و لله، و لكن ينبغي ألا نستنبط أبداً وسائل لهذه الغاية على حساب قوانا الأدبية سعياً وراء البلوغ بإحداهما إلى قمة الكمال. هل هذه هي النتائج مضمونة عن طريق الجمعيات المختصة بالعلم و الأدب كما نراها تدار غالباً؟ SM 414.1
إن الجمعيات المختصة بالعلم و الأدب تكاد تكون بوجه عام ذات تأثير مغاير للتأثير المستوحى من اسمها. فهي، بالطريقة التي تدار بها غالباً، مضرة بالشبيبة، ذلك لأن الشيطان يحضر هناك ليضع طابعه على نشاطاتها. إن ما يكسب الرجل رجولته و المرأة أنوثتها إنما ينعكس من صفات المسيح. فعلى قدر ما تخلو هذه الجمعيات من وجود المسيح فيها، يضعف تبعاً لذلك العنصر المعلّي المهذّب المشرف الذي فينا الذي ينبغي أن يكون مسيطراً. عندما يدير الدنيويون هذه الاجتماعات بطريقة تتلاءم و رغباتهم لا يبقى لروح المسيح محل فيها، فالعقل ينجذب عن التأملات الجدية و عن الله و عن كل ما هو حقيقي و جوهري إلى الأمور الخيالية السطحية المصطنعة... ما للتبن ما الحنطة؟ SM 414.2
إن الغايات و الأغراض التي تقود إلى تأسيس نوادي العلم و الأدب ربما كانت حسنة، غير أن هذه المؤسسات ستصبح شراً أكيداً ما لم تضبطها و تسيطر عليها حكمة من الله. لكن أناساً غير متدينين و غير مكرسين في قلوبهم و حياتهم يسمح لهم بالدخل عادة. و أحياناً كثيرة تسند إليهم أرفع المناصب ذات المسؤولية. وقد تسن قوانين و توضع أنظمة تعتبر كافية لردع أي تأثير ضار، غير أن الشيطان، القائد الداهية المكار لا ينفك يعمل ليصوغ الجمعية أو النادي بشكل يوافق خططه و أغراضه، ثم لا يلبث أن ينجح في أغلب الأحيان. إن الخصم اللدود يجد قبولاً و ترحيباً من جانب الذين سبق له أن امتلكهم، و عن طريقهم يحقق أغراضه. و أن مآدب و ضيافات تقام لتجعل الاجتماع ملذاً و جذاباً للدنيويين و بذلك تمسي نشاطات ما يسمونها بجمعية العلم و الأدب منحطة في أغلب الأحيان لا تعدو كونها إجراءات نظرية محطة و كلاماً رخيصاً فارغاً. كل هذه تستلذها الطبيعة الجسدية الشهوانية التي هي عداوة لله، و لكنها لا تقوي العقل أو تدعم الأخلاق. SM 415.1
إن اعتشار الأتقياء مع غير المؤمنين في هذه الجمعيات لا يحول الخطاة إلى قديسين. حينما يتحد شعب الله طوعاً و اختياراً مع الدنيويين و غير المكرسين و يقدمونهم على أنفسهم فإنهم سيبعدون عن الرب بسبب التأثير غير المقدس الذي وضعوا أنفسهم تحته. قد لا يكون هناك، لوقت قصير، ما يدعو إلى الاعتراض أو الرفض، غير أن العقول التي لم تنشأ تحت تأثير روح الله لا تقبل بسهولة أموراً قائمة على الحق و البر، فلو سبق لهم أن تذوقوا طعم الروحيات لكانوا انحازوا إلى صفوف يسوع المسيح. إن الفريقين يخضعان لسيدين مختلفين، و هما متناقضان في مقاصدهما و آكالهما و أذواقهما و رغبائهما، فأتباع المسيح يسوع يستلذون المواضيع الرصينة المعقولة المشرفة، بينما أولئك الذين لا يحبون الأمور المقدسة لا يقدرون أن يجدوا لذة في هذه الاجتماعات ما لم تشكل الأمور السطحية و غير الحقيقية جزءاً بارزاً هاماً من النشاطات. و شيئاً فشيئاً يأخذ العنصر غير الروحي يطغى على الروحي، و يتبع ذلك أن الجهود المبذولة للتوفيق بين المبادئ المتناقضة في طبيعتها تنتهي إلى فشل محتم. SM 416.1
لقد بذلت جهود لابتداع خطة لتأسيس جمعية للعلم و الأدب تعمم فائدتها جميع المتصلين بها — جمعية فيها يشعر جميع أعضائها بمسؤولية أخلاقية تجعل منها ما ينبغي لها أن تكون، و تجنبها الشرور التي غالباً ما تجعل خطة كهذه خطرة على المبادئ الدينية. إن ذوي الفطنة و الحكم السديد على الأمور، الذين هم على اتصال حي بالسماء، و يرون الميول الشريرة، و يسيرون قدماً في سبيل الاستقامة، غير منخدعين من الشيطان، بل رافعين على الدوام راية المسيح — هؤلاء هم الذين تدعو إليهم الحاجة لتولي زمام هذه الجمعيات. فإن تأثيرهم سيفرض الهيبة والوقار و يجعل من هذه الاجتماعات بركة لا لعنة. SM 416.2
لو أن رجالاً و نساء راشدين يتحدثون مع الشبيبة في تنظيم و إدارة مثل هذه الجمعيان المختصة بالعلم و الأدب لأمكن أن تصبح هذه الجمعيات نافعة و ممتعة معاً. و لكن حين تنحط هذه الاجتماعات لتصبح مناسبات للهزل و الطرب و الصخاب فهي ليست من العلم و الأدب في شيء، و إنما هي سبيل لانحطاط العقل و الخلق. SM 417.1
إن إعطاء دروس من الكتاب المقدس، و الفحص العميق لمواضيع كلمة الله، و تسطير مقالات حول مواضيع من شأنها أن تنمي العقل و توسع المدارس، و دراسة النبوات، أو دروس المسيح الثمينة — هذه يكون لها تأثير منشط للطاقة العقلية و الروحية جميعاً. إن التعرف بالكتاب المقدس جيداً ينشط قوى التمييز و يحصن النفس ضد هجمات الشيطان. SM 417.2
قليلون هم الذين يدركون أن من واجبهم أن يمارسوا ضبط أفكارهم و تخيلاتهم. إن من الصعب إبقاء العقل غير المهذب منصرفاً إلى المواضيع المفيدة، فإذا كان المرء لا يفكر كما يليق فلا يمكن للديانة أن تزدهر في نفسه. يجب أن تشغل عقله أمور مقدسة أبدية وإلا راعى في نفسه أفكاراً سطحية تافهة. كما يجب تهذيب القوى العقلية و الأخلاقية جميعاً، و هي تقوى و تتحسن بالتمرين و الممارسة... SM 418.1
ينبغي تكريس العقل و القلب لخدمة الله. إن لله الحق في كل ما لنا و فينا، فتابع المسيح ينبغي ألا ينخرط في أي أمر غايته إشباع رغبات النفس، أو يشترك في أي مسعى مهما يبدو بريئاً أو حميداً إن كان ضميره المستنير يوحي له بأن من شأن هذا المسعى أن يضعف أو يقلل من روحياته. ينبغي لكل مسيحي أن يعمل على صد تيار الشر و ينقذ شبيبتنا من التأثيرات التي قد تجرفهم إلى الهلاك. فليساعدنا الرب لنتقدم متشددين في وجه التيار — (ز: 541 — 544). SM 418.2
* * * * *