يحض الرسول الإخوة قائلا ” أخيرا يا إخوتي تقووا في الرب وفي شدة قوته. البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ... في اليوم الشرير وبعد أن تتموا كل شيء أن تثبتوا “. آه, يا له يوما ينتظرنا ! أي غربلة سيغربل بها المدعون أنهم أولاد الله ! فالظالمون سيوجدون بين الأبرار. والذين كان لهم نور عظيم ولم يسلكوا فيه سيكون لهم ظلام بنسبة ما كان لهم من النور الذي احتقروه. إننا محتاجون أن نتعلم الدرس المتضمن في كلمات بولس : ” بل اقمع جسدي واستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا “. إن العدو يعمل جادا ليرى هل ثمة من يمكن أن يضمه هو إلى صفوف الإرتداد, غير أن الرب آتٍ سريعا, وعما قليل سيقرر مصير كل نفس أبديا. فالذين يسلكون في النور المعطى لهم بسخاء سيحصون مع صفوف الرب. CCA 674.1
بيد أن أيام تطهير الكنيسة آتية سراعا, وسيكون لله شعب طاهر وأمين, وفي الغربلة الهائلة التي توشك أن تحدث سنكون أقدر منا الآن على قياس قوة إسرائيل, ( إسرائيل الروحي ). والعلامات تظهر أن الوقت قريب حين سيوضح الرب أن رفشة في يده وسينقي بيدره تماما. CCA 674.2
لقد أتيح لي أن أشاهد شعب الله, رأيتهم ينفضون ويزعزعون بقوة. وكان بعضهم يتوسلون إلى الله بإيمان قوى وصرخات اليمة. CCA 675.1
ورأيت آخرين لم يشتركوا في عمل التوجع والتضرع هذا, بل بدوا غير مبالين وغير مهتمين. لم يقاوموا الظلمة المنشرة حولهم, فأطبقت عليهم مثل غيمة كثيفة. هؤلاء تركهم ملائكة الله, فرأيتهم ( أي الملائكة ) يسرعون إلى مساعدة أولئك الذين كانوا يجاهدون بكل قواهم ليقاوموا الملائكة الأشرار ساعين لمساعدة أنفسهم بمثابرة على طلب معونة الله. غير أن الملائكة تركوا الذين لم يبذلوا جهدا لمساعدة أنفسهم, فتواروا عن بصري. وإذ استمر المبتهلون في رفع صرخاتهم الحارة فإن شعاعة من نور كانت تنطلق من يسوع أحيانا وتستقر عليهم لتشدد قلوبهم وتنير محياهم. CCA 675.2
فسألت عن معنى الغربلة التي شاهدتها, فأظهر لي أنها ستحدث بسبب الشهادة الصعبة التي استدعاها مجمع الشاهد الأمين للاودكيين. وسيكون لهذه تأثيرها في قلب من يقبلها وستقوده إلى أن يعلي القياس ويعلن الحق القويم. البعض لن يتحملوا هذه الشهادة الصعبة, بل سيقاومونها, وهذا ما سيسبب التزعزع بين شعب الله. CCA 675.3
إن شهادة الشاهد الأمين لم تلق نصف ما ينبغي من الإهتمام بها. فالشهادة الخطيرة التي بها يتعلق مصير الكنيسة قد قوبلت بإستخفاف ان لم يكن بالإحتقار الكلي. يجب أن تنشيء هذه الشهادة توبة عميقة, وكل الذين يقبلونها بحق سيطيعونها ويطهرون. CCA 675.4
قال الملاك : ” اصغي ! “ وفي الحال سمعت صوتا كما من آلات موسيقية عديدة, وكلها في أنغام محكمة الضبط, عذبة ومؤتلفة, وقد فاقت كل موسيقى سبق لي أن سمعتها, وبدت هكذا مملؤة بالرحمة والحنان والفرح الرافع المقدس, فاهتز لها كياني كله. قال الملاك : ” انظري “ فلفت انتباهي عندئذ إلى الجماعة التي سبق لي أن رأيتها والتي كانت تنفض وتغربل بعنف, وقد شاهدت الذين سبق فرأيتهم يبكون ويصلون بعذاب الروح, فإذا بالملائكة الحراس المحيطين بهم قد تضاعف عددهم, وكانوا هم متقلدين السلاح من الرأس حتى القدمين, وكانوا يتحركون في نظام محكم وصلابة, مثل فرقة من الجند, وقد عبرت سيماؤهم عن الصراع العنيف الذي خاضوه والجهاد الأليم الذي جازوا به, ومع ذلك فإن ملامحهم التي علاها ألم الكرب الشديد قد أشرقت الآن بنور المجد السماوي. لقد أحرزوا الغلبة, الأمر الذي استدعى منهم أعمق الشكر وملأهم فرحا طاهرا مقدسا. CCA 676.1
إن عدد أفراد هذه الجماعة قد نقص, ذلك أن بعضهم قد تزعزعوا وتركوا جانبا ( انظر رؤيا 3 : 15 — 17 ). والمهملون واللامبالون الذين لم ينضموا إلى أولئك الذين اعتبروا النصر والخلاص ذا قيمة فائقة بحيث ثابروا في سبيلها على التضرع وإحتمال الألم — هؤلاء لم يحصلوا عليهما, فتركوا في الظلمة, ولكن سرعان ما أخذ مكانهم أخرون ممن قبلوا الحق وانضموا إلى الصفوف. وكان الملائكة الأشرار لا يزالون يحيطون بهم, ولكن لم تكن لهم قوة عليهم ( انظر افسس 6 : 12 — 18 ). CCA 676.2
وسمعت المتقلدين السلاح يعلنون الحق بقوة عظيمة, فكان له تأثيره, رأيت الذين قد ربطوا, فثمة بعض الزوجات اللواتي كن مرتبطات بأزواجهن, وبعض الأولاد الذين كانوا مرتبطين بوالديهم. والأمناء الذين قد حجزوا أو منعوا من سماع الحق كانوا يقبولنه بشوق. كل خوفهم من أقربائهم فارقهم, ولم يكن سوى الحق ممجدا لديهم, فقد كان أعز وأغلى من الحياة. كانوا يتوجعون ويتعطشون إلى الحق. فسألت عما قد أحدث هذا التغيير, فأجاب ملاك : ” انه المطر المتأخر , الفرج لذي من وجه الرب, الصراخ العالي للملاك الثالث “. CCA 677.1
وكان لدى هؤلاء المختارين قوة عظيمة. قال الملاك : ” انظري ! “ فلفت انتباهي إلى الأشرار, أو غير المؤمنين. كانوا كلهم في حركة وإنهماك, ذلك أن حماسة شعب الله وقوتهم قد أثارتهم وأغضبتاهم, فكان التشويش والبلبلة في كل مكان. رأيت تدابير كانت تتخذ ضد هذه الجماعة التي كان لها قوى الله ونوره. وتكاثفت الظلمة حولهم ولكنهم مع ذلك ثبتوا حائزين رضى الله ومتكلين عليه. رأيتهم في حيرة, ثم سمعتهم يصرخون إلى الله بحرارة, ولم يكفوا عن الصراخ ليلا ونهارا “ ( انظر لوقا 18 : 7 و 8 , رؤيا 14 : 14 و 15 ). CCA 677.2
وقد سمعت هذه الكلمات : ” لتكن يا الله مشيئتك ! أجعل لشعبك طريق نجاة ان كان في ذلك تمجيد اسمك ! انقذنا من الوثنيين المحيطين بنا ! لقد قرروا اهلاكنا, ولكن ذراعك تقدر أن تخلص “. هذا كل ما أقدر أن أتذكره من الكلمات, وقد تجلى في جميعهم شعور عميق بعدم استحقاقهم, وأظهروا تسليما تاما لإرادة الله, غير أن كل واحد منهم, بلا استثناء, كان مثل يعقوب, يتوسل بحرارة ويجاهد في سبيل النجاة. CCA 677.3
وحالما بدأوا صراخهم الحار ود الملائكة, في حنان, أن يتقدموا لإنقاذهم, غير أن ملاكا آمرا فارع الطول منعهم, قائلا : ” مشيئة الله لم تتمم بعد. لا بد لهم من أن يشربوا من الكأس, ويصطبغوا بالصبغة “ CCA 678.1
وفي الحال سمعت صوت الله الذي زلزل السموات والأرض ( انظر يؤئيل : 3 : 16 , عبرانيين 12 : 26 , رؤيا 16 : 17 ). وحدثت زلزلة عظيمة, فانهارت المباني وسقطت في كل ناحية. ثم سمعت هتاف النصر المظفر, عاليا, موسيقيا, صافيا, فنظرت إلى الجماعة الذين كانوا قبل هنيهة في شديد الكرب والإستبعاد, فإذا بإسارهم قد فك, ونور بهي يشرق عليهم, وما كان أجمل منظرهم ! فقد زايلهم كل الإعياء وآثار القلق, وعلا الجمال والعافية كل محيا. أما أعداؤهم, الوثنيون المحيطون بهم فقد سقطوا كأموات, إذ لم يقووا على احتمال النور المشرق على القديسين المنجين. CCA 678.2
وظل هذا النور والمجد مستقرين عليهم حتى شوهد يسوع في سحب السماء, وإذا بجماعة الأمناء الممحصين يتغيرون في لحظة, في طرفة عين مجد إلى مجد. وتفتحت القبور, وخرج منها القديسون لابسين الخلود, وهاتفين : ” الغلبة على الموت والهاوية “ وخطف هؤلاء مع القديسين الأحياء لملاقاة الرب في الهواء, فيما كانت هتافت المجد والإنتصار الموسيقية الرخيمة تنطلق من لسان مخلد. CCA 678.3