جاء شاب إلى المسيح وقال له: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟» فدعاه الربّ يسوع أن يحفظ الوصايا. فأجاب: «هذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». نظر يسوع بمحبة إلى هذا الشاب، وأخبره بصدقٍ أن الشيء الذي يعوزه هو حفظ الشريعة الإلهية. فهو لم يحب قريبه كنفسه، ومحبة الغنى الأنانية كانت عيبًا فيه سيمنعه من دخول السماء إذا لم يتم علاجه. «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي» (متى ١٩: ١٦-٢١). CSAr 210.4
كان السيّد المسيح يريد من هذا الشاب أن يفهم أنه لم يطلب منه سوى أن يتبع المثال الذي وضعه هو بنفسه بصفته ربّ السماء. لقد ترك غناه ومجده السماوي، وافتقر حتى يمكن للإنسان أن يستغني بفقره، ومن أجل هذه الثروات، يطلب من الإنسان أن يسلّم له الثروة والكرامة والملذات الأرضية. فهو يعلم أنه طالما أن عواطف الإنسان متعلّقة بالعالم، فسوف يكون بعيدًا عن الله، ولذلك قال للشاب: «اذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». كيف تلقى كلمات المسيح؟ هل فَرِحَ أن بإمكانه إحراز الكنز السماوي؟ بالطبع لا! «فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَال كَثِيرَةٍ« (عدد ٢٢). إن الكرامة والسلطة كانتا تمثّلان الغنى بالنسبة له، وامتلاكه لهذا الكم الهائل من الثروة، جعل التخلي عنها أمرًا يكاد يكون مستحيلاً. CSAr 211.1
لقد كانت لدى هذا الرجل المُحبّ للعالم رغبةً في الحصول على السماء، لكنه أراد الاحتفاظ بثروته، ونَبَذَ الحياة الخالدة (الأبدية) من أجل محبة المال والسلطة. يا لها من مبادلة بائسة! ومع ذلك فكثيرون من الذين يقولون إنهم يحفظون وصايا الله يفعلون الشيء ذاته. CSAr 211.2
وهنا يكمن خطر الثروة والغنى على الإنسان الطامع في جمع المال وتكديسه، فكلما زاد كسبه ورزقه، كلما كان من الصعب عليه أن يكون كريمًا. وعندما تقل ثروته، فهو يظن أنه سيفارق الحياة، فيبتعد عن مغريات المكافأة الباقية من أجل الاحتفاظ بممتلكاته الأرضية وزيادتها. ولو قام بحفظ الوصايا، لما كانت أمواله الأرضية بهذا الحجم الكبير. فكيف يمكن له، وهو يخطط ويكافح من أجل نفسه، أن يحب الله من كل قلبه، ومن كل عقله، ومن كل قوته، وقريبه كنفسه؟ لو كان قد وزّع على الفقراء لتلبية احتياجاتهم، لازدادت سعادته إلى حد كبير ولكان كنزه السماوي أعظم ولصار تعلّقه بالأرضيات أقل. CSAr 211.3