عند اليهود كان يُسمح للرجل أن يطلق امرأته لأجل أتفه الذنوب وحينئذ كانت للمرأة الحرية في أن تتزوج ثانية. هذا التصرف أدى إلى تعاسة وخطية عظيمتين. ولقد أعلن يسوع في الموعظة التي ألقاها على الجبل بكل وضوح وصراحة أنّه لا يمكن أن تفصم عري الروابط الزوجية إلاّ بسبب خيانة عهد الزواج. فلقد قال: « إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي » (متى 5: 23). ArMB 31.4
وعندما سأله الفريسيون بعد ذلك عن شرعية الطلاق وجه يسوع أفكار سامعيه إلى سنّة الزواج كما قد رسمت عند بدء الخليقة. فقال لهم: « إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا » (متى 19: 8). وقد وجّه انتباههم إلى أيام السعادة في عدن عندما قال الله عن كل شيء أنّه « حَسَنٌ جِدا ». آنذاك كان للزواج والسبت أصلهما وسُنـّت الشريعتان الصنوان لأجل مجد الله وخير الإنسانية. وحينئذ وضع الخالق يد كل من الزوجين القديسين في يد الآخر برباط الزواج قائلا: « لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا » (تكوين 2: 24). فلقد سن قانون الزواج لكل بني آدم إلى انقضاء الدهر. فما قال عنه الآب الأبدي ذاته أنّه حسن كان هو سنّة أسمى بركة ونمو وتقدم للإنسان. ArMB 31.5
والزواج، ككل عطية من عطايا الله الصالحة المسلمة لأجل حفظ البشرية، أفسدته الخطية، ولكن غاية الإنجيل هي أن يعيد إليه طهارته وجماله. ففي كلّ من العهد القديم والعهد الجديد استخدمت صلة الزواج لترمز إلى الاتحاد الحبّي المقدس الكائن بين المسيح وشعبه المفديين الذين قد اشتراهم بذبيحة جلجثة. فهو يقول: « لا تخافي » « بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ وَوَلِيُّكِ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ» (إِشَعْيَاء 54: 4 و 5): « إِرجعوا أَيُّها البَنونَ المُرتَدُّون، يَقولُ الرَّبّ، فإِنِّي بَعْلٌ لَكم» (إِرْمِيَا 2: 14) (ترجمة سنة 1878). وفى سفر « نَشِيدُ الأَنْشَادِ » نسمع صوت العروس قائلة: « حَبِيبِي لِي وَأَنَا لَهُ ». وذاك الذي هو بالنسبة إليها « مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ » يخاطب تلك التي قد اصطفاها بقوله: « كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ » (نَشِيدُ الأَنْشَادِ 2: 16؛ 5: 10؛ 4: 7). ArMB 31.6
وفى العصور المتأخرة إذ يكتب بولس الرسول رسالته إلى المسيحيين في أَفَسُس يعلن أنّ الرب قد أقام الزوج رأسا لامرأته ليكون حاميا إياها ورباط البيت إذ يربط أفراد العائلة معا كما أنّ المسيح هو رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد ولذلك يقول: « وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ. كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ » (أَفَسُس 5: 24 ـ 28). ArMB 32.1
إنّ نعمة المسيح وحدها تستطيع أن تجعل هذه السنة كما قصد لها الله أن تكون ـ وسيلة لجلب البركة والسمو للبشرية. وهكذا يمكن للأسر على الأرض بالاتحاد والسلام والمحبة نحو بعضها البعض أن تمثل الأسرة السماوية. ArMB 32.2
إن حالة مجتمعنا في هذه الأيام كما كانت في عهد المسيح تقدم مثلا محزنا للمثال الذي تقدمه السماء لهذه الصلة المقدسة. ومع ذلك فحتى الذين قد ذاقوا المرارة والخيبة حيث كانوا يرجون الصحبة والفرح، يقدم الإنجيل لهم العزاء. فالصبر واللطف اللذان يمكن أن يمنحهما روحه سيجعلان كأس قرعتهم المرّة عذبة وجميلة. فالقلب الذي يسكنه المسيح سيكون ممتلئاً وشبعان بمحبته بحيث لا تحرقه نار الشوق لاجتذاب العطف والالتفات إلى نفسه. وعن طريق تسليم النفس لله فإن حكمته تستطيع أن تتمم ما تعجز عنه الحكمة البشرية. وعن طريق إعلان نعمته يمكن للقلوب التي كانت قبلا عديمة الاكتراث أو نافرة أن تتحد بربط أوثق وأثبت مما على الأرض ـ الربط الذهبية للمحبة التي تصمد أمام امتحان التجربة. ArMB 32.3