إنّ يسوع يعلمنا أنّه يمكننا أن نحصل على الغفران من الله فقط إذا نحن غفرنا للآخرين. إنّ محبة الله هي التي تجتذبنا إليه، وتلك المحبة لا يمكنها أن تلمس قلوبنا ما لم تخلق فينا محبة لإخوتنا. ArMB 55.3
إنّ يسوع بعدما أكمل الصلاة الربانية أضاف هذا القول: « فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ » (متى 6: 14، 15). إنّ من هو حقود لا يغفر يقطع قناة الاتصال التي يمكن عن طريقها وحدها أن يحصل على الرحمة من الله. وينبغي ألاّ نفكر قائلين إنّه ما لم يعترف من قد أوقعوا بنا الأذى بخطئهم فنحن لنا الحق في أن نحرمهم صفحنا. لاشكّ في أن عملهم هو أن يذللوا قلوبهم بالتوبة والاعتراف ولكن يجب أن يكون عندنا روح الرأفة والرفق نحو من قد أذنبوا في حقنا سواء اعترفوا بأخطائهم أم لم يعترفوا. فمهما يكن عمق الجرح الذي قد جرحونا به ينبغي أن لا نحتضن المظالم التي وقعت علينا. ونرثي لنفوسنا لأجل الآلام التي وقعت علينا، ولكن على قدر ما نأمل في أن تغفر لنا خطايانا التي أخطأنا بها في حق الله علينا أن نغفر لكل من يفعلون بنا سوءاً. ArMB 55.4
ولكن الغفــران له حــدود أوســع مما يظـن كثيرون. فالله عندمـا يعد بأنّه « يُكْثِرُ الْغُفْرَانَ » فهو يضيف، كأن معنى ذلك الوعـد قد فاق كل ما يمكننا إدراكه، قائلا: « لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ. لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ » (إِشَعْيَاء 55: 7 - 9). إنّ غفران الله ليس عملا قانونيا فحسب يعفينا بموجبه من الدينونة. إنّه ليس فقط غفراناً للخطية بل هو استردادنا من الخطية وردّ سبينا. وهو فيضان المحبة الفادية التي تغير القلب وتجدده. إنّ داود كان عنده فهم صحيح للغفران عندما صلى قائلا: « قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي ». وقد قال أيضاً: « كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا » (مزمور 51: 10؛ 103: 12). ArMB 55.5
إنّ الله، في المسيح، بذل نفسه لأجل خطايانا. لقد احتمل موت الصليب القاسي وحمل عنا ثقل الذنب. « الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ » لكي يعلن لنا محبته ويجتذبنا إلى نفسه. وهو يقول: « كُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شَفُوقِينَ مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ » (أَفَسُس 4: 32). ليسكن فيكم المسيح الذي هو الحياة الإلهية ويعلن عن طريقكم المحبة التي هي وليدة السماء التي تلهم اليائسين بالرجاء وتأتى بسلام السماء إلى القلب الذي ضربته الخطية. فإذ نأتي إلى الله فهذا هو الشرط الذي يواجهنا عند الباب وهو أننا إذ ننال الرحمة منه فنحن نسلم ذواتنا لنعلن نعمته للآخرين. ArMB 55.6
إنّ الشيء الوحيد الذي هو جوهري بالنسبة إلينا لكي نقبل محبة الله الغافرة ونوزعها على الآخرين هو أن نعرف ونصدق المحبة التي لله فينا (1 يوحنا 4: 16). إنّ الشيطان يعمل بكل ما وسعه دهاؤه ومخاتلاته حتى لا نفهم أو نميّز تلك المحبة. وهو سيجعلنا نظنّ أنّ أخطاءنا وتعدياتنا شنيعة جدا بحيث أن الله لن يعير صلواتنا أيّ اعتبار ولن يباركنا أو يخلصنا. إنّنا لا نرى في ذواتنا إلاّ الضعف، لا شيء ينيلنا الحظوة لدى الله. والشيطان يقول لنا إنّه لا فائدة. ونحن لا نستطيع أن نجبر النقص الذي في أخلاقنا. وعندما نحاول الإتيان إلى الله فالعدو يوسوس فينا مشكّكاً: لا نفع في صلواتكم. ألم تفعلوا ذلك الشرّ؟ ألم تخطئوا إلى الله وتنتهكوا ضمائركم؟ ولكنّنا نستطيع مواجهته بالقول: « دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ » (1 يوحنا 1: 7). وعندما نحس بأننا قد أخطأنا ولا نستطيع أن نصلّي، فذلك يكون أنسب وقت للصلاة. قد نكون خجلين ومتذللين جدا ولكن يجب علينا أن نصلي ونؤمن بقول الكتاب: « صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا » (1 تيموثاوس 1: 15). إن الغفران أو المصالحة مع الله يأتينا لا على أنّه أجر لأعمالنا، ولا يمنح بسبب استحقاق في الناس الخطاة ولكنه هبة لنا، وأساس منحها هو برّ المسيح الذي بلا عيب. ArMB 56.1
ينبغي ألاّ نحاول التخفيف من جرمنا بانتحال الأعذار للخطية، بل يجب أن نقبل نظرة الله إلى الخطية وأنها ثقيلة حقاً. إنّ جلجثة وحدها هي التي تستطيع أن تعلن لنا شناعة الخطية الرهيبة. فلو كان لابد لنا أن نحمل إثمنا فسيسحقنا. ولكن السيد المعصوم أخذ مكاننا، فمع عدم استحقاقه لذلك فقد حمل اثمنا. « إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ » (1 يوحنا 1: 9). فيا له من حقّ مجيد! إنّه بارٌ لشريعته، ومع ذلك يبرّر كل من هو من الإيمان بيسوع. « مَنْ هُوَ إِلهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ لِبَقِيَّةِ مِيرَاثِهِ! لاَ يَحْفَظُ إِلَى الأَبَدِ غَضَبَهُ، فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ » (ميخا 7: 18). ArMB 56.2