إنّ النصف الأول من الصلاة التي علمنا إياها يسوع خاصة باسم الله وملكوته ومشيئته ـ حتى يتمجد اسمه وتتوطد دعائم ملكوته وتتم مشيئته. فمتى جعلت خدمة الله بهذه الكيفية أول مطلب لك فيمكنك بكل ثقة أن تطلب سد أعوازك. فإن كنت قد نبذت الذات وسلمت نفسك للمسيح فأنت عضو في أسرة الله وكل ما في بيت الآب هو لك. وكل كنوز الله مفتوحة لك في هذا العالم وفي العالم الآتي. فخدمة الملائكة وهبة روح الله وخدمات خدامه ـ كل ذلك لك. العالم بكل ما فيه هو لك على قدر ما يصنع لك خيراً. وحتى عداوة الأشـرار ستصير بركـة تهيئك للسـماء. فإن كنتم أنتم « لِلْمَسِيحِ » « فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَكُمْ » (1 كورنثوس 3: 23، 21). ArMB 54.1
ولكنك تشبه طفلا لم يتسلط على ميراثه بعد. فالله لا يكلُ إليك مقتناك الثمين لئلا يخدعك الشيطان بمكايده الماكرة كما قد خدع الزوجين الأولين في عدن. فالمسيح يحفظه لك آمنا بعيدا عن متناول أيدي الناهبين. وكالطفل أنت ستحصل في كل يوم على ما تتطلبه حاجة اليوم. فعليك أن تصلّي كل يوم قائلاً: « خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ ». لا تفزع ولا ترتعب إن كنت لا تجد ما يكفيك للغد. فإنّ لك يقين وعده: « اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ ». وداود يقول: « كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ، وَلَمْ أَرَ صِدِّيقًا تُخُلِّيَ عَنْهُ، وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزًا » (مزمور 37: 3 و 25). فذلك الإله الذي أرسل الغربان لإعالة إيليا عند نهر كريت لن يغض الطرف عن أي واحد من أولاده الأمناء المضحين. وقد كتب عن السالك بالحق هذا القول: « يُعْطَى خُبْزَهُ، وَمِيَاهُهُ مَأْمُونَةٌ »، ثم القول: « لاَ يُخْزَوْنَ فِي زَمَنِ السُّوءِ، وَفِي أَيَّامِ الْجُوعِ يَشْبَعُونَ » « اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ »؟ (إِشَعْيَاء 33: 16؛ مزمور 37: 19؛ رومية 8: 32). فذاك الذي خفف من هم وجزَع أمّه الأرملة، وأعانها على تقديم الزاد لأهل البيت في الناصرة يعطف على كل أمّ في كفاحها لتقدّم الطعام لأولادها. وذاك الذي تحنّن على الجمع لأنهم كانوا « مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ » (متى 9: 36) لا يزال يتحنن على الفقراء المتألمين. إنّ يده مبسوطة عليهم لتباركهم، وفى نفس الصلاة التي سلّمها لتلاميذه يعلمنا أن نذكر الفقراء. ArMB 54.2
عندما نصلى قائلين: « خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ » فنحن نسأل لأجل الآخرين كما لأجل أنفسنا. ونحن نعترف أن ما يعطينا الله إياه ليس لأجل أنفسنا فقط. إنّ الله يمنحنا عطاياه كوديعة أو أمانة حتى نطعم الجياع. لقد هيّأ بجوده للمساكين (مزمور 68: 10). وهو يقول: « إِذَا صَنَعْتَ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً فَلاَ تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلاَ إِخْوَتَكَ وَلاَ أَقْرِبَاءَكَ وَلاَ الْجِيرَانَ الأَغْنِيَاءَ ... بَلْ إِذَا صَنَعْتَ ضِيَافَةً فَادْعُ: الْمَسَاكِينَ، الْجُدْعَ، الْعُرْجَ، الْعُمْيَ، فَيَكُونَ لَكَ الطُّوبَى إِذْ لَيْسَ لَهُمْ حَتَّى يُكَافُوكَ، لأَنَّكَ تُكَافَى فِي قِيَامَةِ الأَبْرَارِ » (لوقا 14: 12 ـ 14). ArMB 54.3
« وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ ». « مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ » (2 كورنثوس 9: 8 ، 6). ArMB 54.4
إنّ الصلاة في طلب القوت اليومي لا تتناول الطعام الذي يسند الجسم وحده بل أيضاً ذلك الخبز الروحي الذي يغذّي النفس للحياة الأبدية. فيسـوع يأمـرنا قـائلاً: « اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ، بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ ». ويقول: « أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الْحَيُّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هذَا الْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى الأَبَدِ » (يوحنا 6: 27 و 51). إنّ مخلّصنا هو خبز الحياة، فإذ نشاهد محبته ونقبلها في نفوسنا نأكل من الخبز الذي نزل من السماء. ArMB 54.5
ونحن نقبل المسيح في كلمته، وقد أعطى الرُّوح الْقُدُس ليفتح أذهاننا لفهم الكلمة وليعمّق حقائقها في قلوبنا. وعلينا أن نصلّي يوما فيوما حتى عندما نقرأ كلمة الله يرسل روحه ليعلن لنا الحق الذي يقوّى أرواحنا لمواجهة حاجات اليوم. ArMB 55.1
إنّ الله إذ يعلّمنا أن نسأل كل يوم ما نحتاجه ـ من البركات الزمنية والروحية ـ فإنّ له غرضاً ليتمّمه لخيرنا. فهو يريدنا أن نتحقق من اعتمادنا على رعايته الدائمة. لأنّه يحاول أن يجتذبنا إلى الشركة معه. ففي هذه الشركة مع المسيح عن طريق الصلاة ودرس حقائق كلمته العظيمة الثمينة سنطعم نفوسنا الجائعة ونروي ظمأنا وتنتعش أرواحنا عند ينبوع الحياة. ArMB 55.2