Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
المُعلّم الأعظم - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    ٢٦ - « أَصْدِقَاء بِمَالِ الظُّلْمِ »

    (يعتمد هذا الفصل على ما جاء في لوقا ١٦: ١-٩).

    كان مجيء المسيح في وقت زادت فيه محبة العالم. كان الناس يحقّرون من قيمة الأشياء الأبدية ويستبدلونها بالأشياء الزمنية، ويفضلون شؤون العصر الحاضر على مطاليب الدهر الآتي. كانوا يحسبون الأخيلة حقائق ثابتة ويعتبرون الحقائق الثابتة أوهاما من نسج الخيال. لم يروا العالم غير المنظور بالإيمان. لقد عرض الشيطان أمامهم أمور هذه الحياة على أنّ لها جاذبية وأهمية شاملة فاستجابوا لتجاربه.COLAr 336.1

    وقد أتى المسيح ليغيّر هذا الوضع للأشياء. فحاول أن يحطّم السحر الذي به افتتن الناس وأُخذوا في الشرك. وفي تعليمه حاول أن يضع كلا من مطاليب السماء والأرض في وضعه اللائق ويحول أفكار الناس عن الزمن الحاضر إلى الأبدية. لقد دعاهم حتى يكفّوا عن الركض في أثر أمور هذا الزمان ويستعدوا للأبدية.COLAr 336.2

    قال: « كَانَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ لَهُ وَكِيلٌ، فَوُشِيَ بِهِ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ يُبَذِّرُ أَمْوَالَهُ » (لوقا ١٦: ١). لقد ترك الرجل الغني كلَّ أمواله في يَدَي خادمه. ولكنّ هذا الخادم لم يكن أمينا فاقتنع السيد بأنّ أمواله كانت تُسلب بكيفية منظمة. فعول أن لا يبقيه في خدمته بعد ذلك. فأمر بفحص حساباته. وقال له: « مَا هذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْكَ؟ أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَكُونَ وَكِيلاً بَعْدُ » (لوقا ١٦: ٢).COLAr 336.3

    وإذ كان ذلك الوكيل متوقعا الطرد رأي ثلاث طرق مفتوحة أمامه ليختار منها ما يشاء. فإمّا أن يكدّ أو يستعطي أو يموت جوعا. فقال في نفسه: « مَاذَا أَفْعَلُ؟ لأَنَّ سَيِّدِي يَأْخُذُ مِنِّي الْوَكَالَةَ. لَسْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْقُبَ، وَأَسْتَحِي أَنْ أَسْتَعْطِيَ. قَدْ عَلِمْتُ مَاذَا أَفْعَلُ، حَتَّى إِذَا عُزِلْتُ عَنِ الْوَكَالَةِ يَقْبَلُونِي فِي بُيُوتِهِمْ. فَدَعَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ مَدْيُونِي سَيِّدِهِ، وَقَالَ لِلأَوَّلِ: كَمْ عَلَيْكَ لِسَيِّدِي؟ فَقَالَ: مِئَةُ بَثِّ زَيْتٍ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَّكَ وَاجْلِسْ عَاجِلاً وَاكْتُبْ خَمْسِينَ. ثُمَّ قَالَ لآخَرَ: وَأَنْتَ كَمْ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: مِئَةُ كُرِّ قَمْحٍ. فَقَالَ لَهُ: خُذْ صَكَّكَ وَاكْتُبْ ثَمَانِينَ » (لوقا ١٦: ٣-٧).COLAr 337.1

    إنّ هذا الخادم الخائن أشرك آخرين معه في خيانته. فقد غدر بسيده لمنفعتهم وإذ قبلوا منه هذه المنّة وضعوا أنفسهم تحت التزام أن يقبلوه كصديق في بيوتهم.COLAr 337.2

    « فَمَدَحَ السَّيِّدُ وَكِيلَ الظُّلْمِ إِذْ بِحِكْمَةٍ فَعَلَ » (لوقا ١٦: ٨). إنّ الرجل العالمي مدح من قد غدر به لأجل حذقه. ولكنّ مدح الرجل الغني ليس مدح الله.COLAr 337.3

    إنّ المسيح لم يمتدح وكيل الظلم وإنّما استخدم تلك الحادثة المعروفة ليشرح الدرس الذي قصد أن يعلّمه. فقال: « اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ، حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ » (لوقا ١٦: ٩). COLAr 337.4

    كان الفريسيون قد لاموا المُخَلِّص لاختلاطه بالعشارين والخطاة. ولكن اهتمامَه بهم لم يقلّ ولا انقطعت جهودُه في سبيلهم. لقد رأى أنّهم أتوا أمام التجربة بحكم وظيفتهم. كانوا محاطين بغوايات الشرّ. كانت أول خطوة في طريق الخطأ سهلة وكان الانحدار سريعا إلى خيانة أعظم وجرائم أكثر. وكان المسيح يحاول بكل وسيلة أن يربحهم ويوجههم إلى أغراض أسمي ومبادئ أشرف. كان هذا الغرض ماثلا في ذهنه وهو يحكي قصة وكيل الظلم. فقد كان يوجد بين العشارين مثل تلك الحالة المصورة في المثل، وفي الوصف الذي أورده المسيح ميِّزوا الأعمال التي يمارسونها. وقد استرعى انتباههم، وكثيرون منهم تعلّموا درس الحق الروحي من الصورة التي رسمها عن أعمالهم الخائنة.COLAr 338.1

    ومع ذلك فقد كان المثل موجها إلى التلاميذ مباشرة. فقد كانوا أول من أعطيت لهم خميرة الحق وبواسطتهم كان يجب أن تصل للآخرين. إنّ كثيراً من تعاليم المسيح لم يفهمها التلاميذ في بادئ الأمر، وكثيراً ما كان يبدو وكان تعاليمه قد كادت تنسى. ولكن بقوة الرُّوح الْقُدُس انتعشت هذه الحقائق فيما بعد ووضحت، وبواسطة التلاميذ اتضحت بكل جلاء أمام المهتدين الذين انضموا إلى الكنيسة.COLAr 338.2

    وكان المُخَلِّص يخاطب الفريسيين أيضا. إنّه لم يزايله الأمل في أنّهم قد يحسّون بقوة كلامه. وقد تأثر كثيرون منهم تأثرا عميقا وإذ سمعوا الحق تحت تلقين الرُّوح الْقُدُس صار عدد غير قليل منهم مؤمنين بالمسيح.COLAr 339.1

    وقد حاول الفريسيون أن يجلبوا العار على المسيح باتهامهم إيّاه بأنّه يندمج في وسط العشارين والخطاة. والآن ها هو يردّ اللوم على المشتكين عليه. فالمشهد المعروف بأنّه قد حدث بين العشارين يريه للفريسيين ليصور لهم أسلوب عملهم وأيضا ليريهم الطريق الوحيد الذي به يفتدون أخطاءهم.COLAr 339.2

    لقد أودع السيد أمواله بين يدي وكيل الظلم لأجل أغراض خيرية. ولكنه استخدمها لنفسه. وكذلك الحال مع إسرائيل. فلقد اختار الله نسل إِبْرَاهِيم. فبيدٍ رفيعةٍ خلصهم من عبودية مصر. وقد جعلهم مستودعات للحق المقدس ليباركوا العالم. وقد أودع بين أيديهم كلمة الله الحية لينقلوا النور للآخرين. ولكن وكلاءه استخدموا هذه الهبات لكي يغتنوا ويمجدوا بها أنفسهم. COLAr 339.3

    إنّ الفريسين إذا كانوا ممتلئين اعتدادا بذواتهم وبالبرّ الذاتي أساءوا استعمال الأموال التي استودعهم الله إيّاها ليستخدموها لمجده.COLAr 339.4

    إنّ العبد المذكور في المثل لم يعدّ مؤونة للمستقبل. فالأموال المودعة لديه لأجل خير الآخرين صرفها على نفسه. ولكنّه لم يفكر في غير حاضره. فعندما تؤخذ منه الوكالة فلن يكون تحت يده شيء يمكن أن يحسبه ملكه. ولكن أموال سيده كانت لا تزال تحت يده فعوّل على أن يتصرّف فيها بحيث يؤمّن نفسه ضد العوز في المستقبل. فلكي يتمم هذا كان عليه أن يوزع على الآخرين. وبهذه الكيفية يمكنه أن يكسب أصدقاء يقبلونه عندما يطرد. وهكذا كان الحال مع الفريسيين. فالوكالة كانت موشكة أن تؤخذ منهم، وكان عليهم أن يتزودوا للمستقبل. فما كان يمكنهم أن يفيدوا أنفسهم إلاّ إذا طلبوا خير الآخرين. وما كانوا يستطيعون أن يستعدّوا للأبدية إذا لم يوزعوا هبات الله في هذه الحياة.COLAr 339.5

    بعدما أورد المسيح المثل قال: « أَبْنَاءَ هذَا الدَّهْرِ أَحْكَمُ مِنْ أَبْنَاءِ النُّورِ فِي جِيلِهِمْ » (لوقا ١٦: ٨). أي أنّ حكماء هذا العالم يظهرون حكمة وغيرة في خدمة أنفسهم أكثر مما يظهر المعترفون بأنهم أولاد الله في خدمتهم له. هكذا كان الحال في عهد المسيح. وهكذا هو الأمر في أيامنا هذه. تأمل في حياة الكثيرين ممّن يدّعون أنّهم مسيحيون فقد منحهم الرب إمكانيات وقوة ونفوذا. وقد أودع لديهم المال لكي يكونوا عاملين معه في عمل الفداء العظيم. وكل هباته يجب استخدامها في مباركة الإنسانية وتخفيف آلام المتألمين والمعوزين. فعلينا أن نطعم الجياع ونكسو العراة ونهتم بالأرملة واليتيم ونخدم المتضايقين المنسحقين. إنّ الله لم يكن يريد قط أن تعم حالة الشقاء هذه المنتشرة في العالم. وهو لم يقصد أن إنسانا واحدا يكون لديه من أسباب الرفاهية والترف ما يزيد كثيرا عن حاجته، بينما أبناء جيرانه يصرخون في طلب الخبز. فالأموال الزائدة عن حاجات الحياة الفعلية مسلمة للإنسـان لكي يفعل بها الخير ويبـارك البشـرية. إنّ الرب يقول: « بِيعُوا مَا لَكُمْ وَأَعْطُوا صَدَقَةً » (لوقا ١٢: ٣٣). « أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِي التَّوْزِيعِ » (١تيموثاوس ٦: ١٨)، « إذا صنعت ضيافة فادع المساكين الجـدع العـرج العمـي » (لوقا ١٤: ١٣). « حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ » « فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ » « إِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا » « قَطْع كُلِّ نِيرٍ » « أن تكسر للجائع خبزك وان تدخل المساكين التائهين إلى بيتك. إذا رأيت عريانا أن تكسوه « أَشْبَعْتَ النَّفْسَ الذَّلِيلَةَ » (إِشَعْيَاء ٥٨: ٦، ٧، ١٠). « اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا » (مرقس ١٦: ١٥). هذه هي أوامر الرب. فهل الأكثرية العظمي من المعترفين بالمسيحية قائمون بهذا العمل؟COLAr 340.1

    واأسفاه، فما أكثر من يخصصون هبات الله لأنفسهم وما أكثر من يضيفون بيتا إلى بيت ويقرنون حقلا بحقل. وما أكثر من ينفقون أموالهم على الملذّات وإشباع النهم والبيوت والأثاثات والثياب المتطرفة. إن بين جنسهم يتركون عرضة للشقاء والجرائم والأمراض والموت. إنّ كثيرين يهلكون دون أن يلقي أحد عليهم نظرة عطف أو ينطق بكلمة محبة أو يعمل عملا من أعمال العطف.COLAr 341.1

    إنّ الناس مجرمون في سلب حقوق الله. فإنفاقهم للمال بكيفية تدل على الأثرة يسلب الله المجد الذي كان يجب أن يعود إليه في تخفيف آلام البشرية وخلاص النفوس. إنّهم يختلسون أمواله المودعة لديهم. إنّ الرب يعلن قائلاً: « وَأَقْتَرِبُ إِلَيْكُمْ لِلْحُكْمِ، وَأَكُونُ شَاهِدًا سَرِيعًا عَلَى ... السَّالِبِينَ أُجْرَةَ الأَجِيرِ: الأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ، وَمَنْ يَصُدُّ الْغَرِيبَ » « أَيَسْلُبُ الإِنْسَانُ اللهَ؟ فَإِنَّكُمْ سَلَبْتُمُونِي. فَقُلْتُمْ: بِمَ سَلَبْنَاكَ؟ ... قَدْ لُعِنْتُمْ لَعْنًا وَإِيَّايَ أَنْتُمْ سَالِبُونَ، هذِهِ الأُمَّةُ كُلُّهَا » (ملاخي ٣: ٥، ٨، ٩). « هَلُمَّ الآنَ أَيُّهَا الأَغْنِيَاءُ ... غِنَاكُمْ قَدْ تَهَرَّأَ، وَثِيَابُكُمْ قَدْ أَكَلَهَا الْعُثُّ. ذَهَبُكُمْ وَفِضَّتُكُمْ قَدْ صَدِئَا، وَصَدَأُهُمَا يَكُونُ شَهَادَةً عَلَيْكُمْ ... قَدْ كَنَزْتُمْ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ » « قَدْ تَرَفَّهْتُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَتَنَعَّمْتُمْ » « هُوَذَا أُجْرَةُ الْفَعَلَةِ الَّذِينَ حَصَدُوا حُقُولَكُمُ، الْمَبْخُوسَةُ مِنْكُمْ تَصْرُخُ، وَصِيَاحُ الْحَصَّادِينَ قَدْ دَخَلَ إِلَى أُذْنَيْ رَبِّ الْجُنُودِ » (يعقوب ٥: ١-٣، ٥، ٤).COLAr 341.2

    وسيُطلب من كل واحد أن يسلم الهبات المودعة لديه. وفي يوم الدينونة الأخير ستكون الثروة التي اكتنزها الناس بلا قيمة لهم. فهم لا يملكون شيئا يمكن أن يقولوا عنه إنّه ملكهم.COLAr 342.1

    إنّ الذين يقضون حياتهم في جمع الكنوز العالمية يبرهنون على أنهم أقل حكمة وأقل تفكيراً وحرصاً على خيرهم الأبدي من حرص وكيل الظلم على أعالته الأرضية. فهؤلاء الذين يقولون إنّهم أبناء النور هم اقل حكمة من أبناء هذا الدهر في جيلهم. هؤلاء هم الذين يعلن النبي في رؤياه عن يوم الدينونة العظيم قائلا عنهم: « يَطْرَحُ الإِنْسَانُ أَوْثَانَهُ الْفِضِّيَّةَ وَأَوْثَانَهُ الذَّهَبِيَّةَ، الَّتِي عَمِلُوهَا لَهُ لِلسُّجُودِ، لِلْجُرْذَانِ وَالْخَفَافِيشِ، لِيَدْخُلَ فِي نُقَرِ الصُّخُورِ وَفِي شُقُوقِ الْمَعَاقِلِ، مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ لِيَرْعَبَ الأَرْضَ » (إِشَعْيَاء ٢: ٢٠، ٢١). COLAr 342.2

    يقول المسيح: « اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ، حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ » (لو ١٦: ٩). إنّ الله والمسيح والملائكة يخدمون المتضايقين والمتألمين والخطاة. فسلّم نفسك لله لأجل هذا العمل واستخدم هباته لأجل هذا الغرض فتدخل في شركة مع الكائنات السماوية. وسيخفق قلبك بالشفقة مشاركة لقلوبهم. وستتشبّه بهم في الصفات. ولن يكون هؤلاء الساكنون في المظال الأبدية غرباء عنك. فعندما تزول الأشياء الأرضية سيرحب بك الحراس الواقفون على أبواب السماء.COLAr 343.1

    والأموال التي تصرف لجلب البركة للآخرين سيُعطَى عنها تعويض. فالمال الذي يُستخدم بطريقة صحيحة سيعمل خيرا عظيماً. فستُربح نفوس للمسيح. والذي يتبع خطة المسيح في الحياة سيري في مساكن الله من قد خدم وضحّى لأجلهم على الأرض. وبالتدريج سيذكر المفديون مَن كانوا واسطة في خلاصهم. وستكون السماء عزيزة وثمينة في نظر من كانوا أمناء في عمل خلاص النفوس.COLAr 343.2

    إنّ درس هذا المثل مقدم للجميع. فكل واحد سيكون مسؤولا عن النعمة المعطاة له في المسيح. إنّ الحياة هي أخطر مِن أن تبتلعها الأمور الزمنية أو الأرضية. والرب يريدنا أن نوصل إلى الآخرين ما نتلقاه من العالم الأبدي غير المنظور.COLAr 343.3

    وفي كلّ سنة يدخل ملايين فوق ملايين من النفوس البشرية إلى عالم الأبد بدون إنذار وبدون خلاص. ومن ساعة إلى ساعة في حياتنا المختلفة تفتح أمامنا الفرص للوصول إلى النفوس وتخليصها. وهذه الفرص تجيء وتروح بلا انقطاع. والله يريدنا أن نُحسن استخدامها. فالأيام والأسابيع والشهور تمرّ. وهكذا تنقص أعمارُنا يوما وأسبوعا وشهرا لنتمم فيها عملنا. وبعد سنوات قليلة أخرى على أكثر تقدير سنسمع الصوت الذي لا يمكننا الاستعفاء من الإجابة عليه قائلا لنا: « أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ » (لوقا ١٦: ٢).COLAr 343.4

    إن المسيح يدعو كل إنسان ليفكر. فاحسب حسابا أمينا ودقيقا. وضع في الكفة الواحدة يسوع الذي معناه الكنز الأبدي والحياة والحق والسماء وفرح المسيح بالنفوس المفدية، وفي الكفة الأخرى ضع كل الجواذب التي يمكن للعالم أن يقدمها. ضع في الكفة الواحدة هلاك نفسك والنفوس التي كان يمكنك أن تكون وسيلة لخلاصها، وفي الكفّة الأخرى الحياة لك ولتلك النفوس، الحياة التي تقاس بقدر حياة الله. زن للوقت الراهن وللأبدية. وفيما أنت مشغول بهذا يقول المسيح: « مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ » (مرقس ٨: ٣٦).COLAr 344.1

    إنّ الله يريدنا أن نختار الأمور السماوية بدل الأرضية. وهو يقدم لنا الإمكانيات للمساهمة في الأمور السماوية. وهو يقدم تشجيعا لأسمى أهدافنا وضمان سلامة أغلي كنوزنا. فهو يعلن قائلا: « أَجْعَلُ الرَّجُلَ أَعَزَّ مِنَ الذَّهَبِ الإِبْرِيزِ، وَالإِنْسَانَ أَعَزَّ مِنْ ذَهَبِ أُوفِيرَ » (إِشَعْيَاء ١٣: ١٢). فعندما تتلاشى وتندثر الثروة التي يأكلها العث ويفسدها الصدأ فإنّ لتلاميذ المسيح أن يفرحوا بكنزهم السماوي والغنى الذي لا يزول ولا يفنى.COLAr 344.2

    إنّ صحبة مفديّي المسيح هي أفضل من صحبة كل العالم. وصك امتلاكنا للمنازل التي قد ذهب سيدنا ليعدها لنا هو أفضل من وثيقة امتلاكنا لأجمل قصور الأرض. وافضل من كل عبارات المديح الأرضي سيكون قول المسيح لخدامه الأمناء: « تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ » (متى ٢٥: ٣٤).COLAr 344.3

    أما للذين قد بذروا أمواله فالمسيح لا يزال يعطيهم الفرص لإحراز الغنى الدائم الأبدي. فهو يقول: « أَعْطُوا تُعْطَوْا » اِعْمَلُوا لَكُمْ أَكْيَاساً لَا تَفْنَى وَكَنْزاً لَا يَنْفَدُ فِي السَّمَاوَاتِ، حَيْثُ لَا يَقْرَبُ سَارِقٌ وَلَا يُبْلِي سُوسٌ » (لوقا ٦: ٣٨؛ ١٢: ٣٣) « أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ ... يَصْنَعُوا صَلاَحًا، وَأَنْ يَكُونُوا أَغْنِيَاءَ فِي أَعْمَال صَالِحَةٍ، وَأَنْ يَكُونُوا أَسْخِيَاءَ فِي الْعَطَاءِ، كُرَمَاءَ فِي التَّوْزِيعِ، مُدَّخِرِينَ لأَنْفُسِهِمْ أَسَاسًا حَسَنًا لِلْمُسْتَقْبِلِ، لِكَيْ يُمْسِكُوا بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ » (١تيموثاوس ٦: ١٧-١٩).COLAr 344.4

    إذا فاجعلوا أموالكم تسبقكم إلى السماء واكنزوا لكم كنوزا بجوار عرش الله. وتأكدوا من وثيقة امتلاككم لغنى المسيح الذي لا يستقصى. « اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ، حَتَّى إِذَا فَنِيتُمْ يَقْبَلُونَكُمْ فِي الْمَظَالِّ الأَبَدِيَّةِ » (لوقا ١٦: ٩). COLAr 345.1

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents