مع أن عقول الناس المحدودة قاصرة عن أن تدخل الى مشورات الله غير المحدودة أو تدرك ادراكا كاملا إتمام أغراضه ومقاصده، فهم في الغالب بسبب خطأ أو اهمال من جانبهم يدركون رسائل السماء ادراكا مبهما وغامضاَ جد ا. وفي أحيان كثيرة نرى أن عقول الناس، وحتى عقول خدام الله ، قد طمستها الآراء البشرية وتقاليد الناس وتعاليمهم الكاذبة بحيث يعجزون عن استيعاب كل العظائم التي قد أعلنها الله في كلمته الا بقدر ضئيل جد ا. هكذا كانت الحال مع تلاميذ المسيح حتى عندما كان المخلص معهم بنفسه . كان قد تأصل في عقولهم ذلك التصور أو الرأي المألوف عن مسيا كملك أرضي موشك أن يسمو باسرائيل الى عرش امبراطورية مسكونية، فلم يستطيعوا أن يفهموا معنى أقواله المنبئة عن آلامه وموته. GC 383.1
كان المسيح نفسه قد أرسلهم بهذه الرسالة: ”قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالانجيل“ (مرقس ١ : ١٥). وقد كانت تلك الرسالة مبنية على م ا ورد في الاصحاح التاسع من نبوة دانيال . لقد أعلن الملاك أن التسعة والستين أسبوعا ستمتد الى ”المسيح الرئىس“، فكان التلاميذ ينتظرون بآمال عالية وتوقعات مفرحة، ويتوقون الى تثبيت ملكوت المسيح في اورشليم عندما يملك على كل الارض. GC 383.2
وقد كرزو ا بالرسالة التي سلمها المسيح اليهم مع أنهم هم أنفسهم لم يكونوا يفقهون معناه ا. ففي حين أن اعلانهم ومناداتهم كانا مبنيين على ما ورد في (دانيال ٩ : ٢٥)، فانهم لم يروا في الآية التالية من الاصحاح نفسه ان المسيح كان سيقطع . فمنذ ولادتهم كانوا قد وضعوا قلوبهم على مجد الامبراطورية الارضية المنتظرة، وهذا جعل افهامهم تعمى عن تحديد النبوة وعن معنى كلام المسيح. GC 383.3
وقد قاموا بواجبهم في تقديم دعوة الرحمة الى الأمة اليهودية، وحينئذ فيما كانوا ينتظرون أن يروا سيدهم يعتلي عرش داود رأوه مقبوضا عليه كفاعل شر ومجلودا و مُستهزَأ به ومحكوما عليه بالموت ومعلقا على صليب جلجثة. فأي يأس وألم اعتصر قلوب اولئك التلاميذ في أثناء الايام التي قضاها سيدهم مدفونا في القبر! GC 384.1
لقد جاء المسيح في الوقت المعلن عنه وعلى النحو الوارد في النبوة . وتمت شهادة الكتاب في كل تفاصيل خدمته . وهو كرز برسالة الخلاص، وكان كلامه كلام من ”له سلطان“. وقد شهدت قلوب سامعيه بأنه مرسل من السماء. وشهدت كلمة الله وروحه لعمل ابنه الالهي. GC 384.2