لكنّ يسوع اذ كان موشكا ان يترك تلاميذه لم يقل لهم انهم سيأتون اليه سريع ا. فقد قال لهم: ”انا امضي لاعد لكم مكان ا. وان مضيت وأعددت لكم مكانا آتي ايضا وآخذكم اليَّ“ (يوحنا ١٤ : ٢ و ٣). ثم ان بولس يخبرنا فوق ذلك ان ”الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء والاموات في المسيح سيقومون اولا. ثم نحن الاحياء الباقين سنخطف جميعا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء وهكذ ا نكون كل حين مع الرب“. ثم يضيف قائلاً: ”لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام“ (١ تسالونيكي ٤: ١٦ — ١٨). ما أبعد الفرق الشاسع بين اقوال العزاء هذه وبين تلك الاقوال السالفة الذكر التي نطق بها ذلك الخادم الذي كان يعتنق عق يدة الخلاص العام ! ان ذلك الخادم عزى الاصدقاء المحزونين بأن اكد لهم انه مهما كان الشخص الذي مات خاطئا وشريرا فعندما اسلم حياته في هذا العالم قُبل من السماء واستقبلته الملائكة. لقد وجه بولس انظار اخوته الى مجيء الرب في المستقبل عندما تتحطم قيود القبر ويقوم ”الاموات في المسيح“ للحياة الابدية. GC 595.1
ولكن قبل دخول الناس منازل السعداء لا بد من فحص قضاياهم ولا بد من ان تمر اخلاقهم واعمالهم أمام عين الله الفاحصة . وسيدان الجميع كما هو مكتوب في الاسفار وسيجازى كل واحد بحسب اعماله . هذه الدينونة لا تت م عند الموت. لاحظوا ما يقوله بولس: ”لانه أقام يوما هو فيه مزمع ان يدين المسكونة بالعدل برجل قد عينه مقدما للجميع ايمانا اذ اقامه من الاموات“ (أعمال ١٧ : ٣١). هنا يبين الرسول بكل وضوح انه قد تعين وقت، كان مستقبلا حينئذ لدينونة العالم. GC 595.2
ويهوذا يشير الى ذ لك الوقت نفسه اذ يقول: ”والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم الى دينونة اليوم العظيم بقيود ابدية تحت الظلام“. ثم يقتبس اقوال اخنوخ فيقول: ”هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع“ (يهوذا ٦ و ١٤ و ١٥). ويوحنا يعلن انه قد رأى ”الاموات كبارا وصغارا واقفين أمام الله وانفتحت اسفار ... ودين الاموات مما هو مكتوب في الاسفار“ (رؤيا ٢٠ : ١٢). GC 595.3
ولكن اذا كان الاموات قد قاموا وهم يتمتعون بسعادة السماء او يتلوون من أهوال نيران الجحيم فما الداعي لاقامة الدينونة في المستقبل ؟ ان تعاليم كلمة الله عن هذه الامور المهمة ليست غامضة ولا متناقضة، ويمكن للاذهان العادية ان تفهمه ا. ولكن اي عقل مخلص يمكنه ان يرى حكمة او عدلا في النظرية المألوفة ؟ فهل الابرار بعد فحص قضاياهم في الدينونة سيحصلون على هذا الثناء القائل: ”نعما ايها العبد الص الح والامين ... ادخل الى فرح سيدك“ في الوقت الذي يكونون فيه ساكنين في محضره ربما منذ اجيال طويلة ؟ وهل الاشرار يستدعون من موضع العذاب ليسمعوا الحكم عليهم من ديان كل الارض اذ يقول لهم : ”اذهبوا عني يا ملاعين الى النار الابدية“؟ (متى ٢٥ : ٢١ و ٤١) .يا لها من سخرية جسيمة ! ويا لها من تهمة معيبة ضد حكمة الله وعدالته! GC 596.1
ان نظرية خلود النفس كانت احدى تلك العقائد المغلوطة التي اذ اخذتها روما عن الوثنية ادخلتها في دين العالم المسيحي . لقد اعتبرها مارتن لوثر ضمن ”الخرافات الفظيعة التي تكوِّن جزءا من كومة اح كام روما البابوية“ (٣٥٦). واذ كان ذلك المصلح يعلق على ما قاله سليمان في سفر الجامعة من ان الاموات لا يعلمون شيئا قال: ”يوجد مكان آخر يبرهن ان الموتى ”لا شعور عندهم“ ثم قال : “ لا يوجد هناك واجب او علم او معرفة او حكمة . ان سليمان يحكم بأن الأموات نيام ولا يحسون بشيء ابد ا. لان الاموات يرقدون هناك غير حاسبين حسابا للايام او السنين، ولكن عندما يوقظون سيبدو وكأنهم لم يناموا أكثر من لحظة واحدة“ (٣٥٧). GC 596.2
وليس في أي موضع في الكتب المقدسة تصريح بأن الابرار يذهبون الى ثوابهم او الاشرار الى عقابهم عند الموت . فلا احد من الآباء او الانبياء ترك مثل ذلك اليقين. ولا المسيح او رسله قدموا اي تصريح في هذا الشأن . والكتاب يعلمنا بكل وضوح ان الاموات لا يذهبون تواً الى السماء . وهو يصورهم على انهم راقدون الى يوم القيامة. (١ تسالونيكي ٤ : ١٤ ؛ أيوب ١٤ : ١٠ ١٢). ففي اليوم نفس ه الذي فيه ينفصم حبل الفضة وينسحق كوز الذهب (جامعة ١٢ : ٦) تهلك افكار الانسان. واولئك الذين ينزلون الى الهاوية هم في حالة السكوت. انهم لم يعودوا يعرفون شيئا مما يعمل تحت الشمس (ايوب ١٤ : ٢١). ما أعظمها من راحة مباركة للابرار المتعبين ! فالزمن طال او قصر يشبه في تقديرهم لحظة عابرة، انهم ينامون ثم يستيقظون على صوت بوق الله الى خلود مجيد: ”فانه سيبوق فيقام الاموات عديمي فساد ونحن نتغير ... ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت الى غلبة“ (١ كورنثوس ١٥ : ٥٢ ٥٤). فاذ يُدعون ليستيقظوا من نومهم العميق يبدأون يفكرون من حيث كفوا عن التفكير. لقد كانت آخر الاحاسيس هي شوكة الموت، وآخر فكر كان هو انهم قد سقطوا تحت سلطان الهاوية . فعندما يخرجون من القبر فأول فكر مبهج لهم سيرن صداه في صيحة الانتصار القائلة: ”اين شوكتك يا موت اين غلبتك يا هاوية ؟“ (١ كورنثوس ١٥ : ٥٥). GC 596.3