ينزل ملك الملوك على السحاب و حوله لهيب نار، حينئذ تلتف السموات كدرج وترتعد الارض قدامه، وكل الجبال والجزائر تتزحزح من مواضعه ا. ”يأتي الهنا ولا يصمت . نار قدامه تأكل وحوله عاصف جد ا. يدعو السموات من فوق والارض الى مداينة شعبه“ (مزمور ٥٠ : ٣ و ٤). GC 694.2
”وملوك الارض والعظماء والاغ نياء والامراء والاقوياء وكل عبد وكل حر اخفوا انفسهم في المغاير وفي صخور الجبال . وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا وأخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف . لانه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف“ (رؤيا ٦: ١٥ — ١٧). GC 695.1
لقد انقطع المزاح الساخر . وشفاه الكذب قد صمتت . وصليلالاسلحة وضجيج الحرب و ”سلاح المتسلح في الوغى وكل رداء مدحرج في الدماء“ (اشعياء ٩ : ٥). ولا يُسمع الآن صوت آخر غير صوت الصلاة وصوت البكاء والنوح. وستنفجر هذه الصرخة من الشفاه التي كانت تسخر منذ قليل، ”لانه قد جاء يوم غضبه العظيم . ومن يستطيع الوقوف“ (رؤيا ٦ : ١٧). وسيطلب الاشرار ان يدفنوا تحت صخور الجبال مفضِّلين ذلك على مقابلة وجه ذاك الذي قد ازدروا به ورفضوه. GC 695.2
انهم يعرفون ذلك الصوت الذي يخترق آذان الموتى . فكم مرة دعاهم ذلك الصوت الى التوبة بنغماته الرقيقة . وكم مرة سُمع في توسلات مؤثرة من فم الصديق والأخ والفادي . فالذين رفضوا نعمته لن يسمعوا سوى ذلك الصوت المملوء دينونة المثقَل استنكاراً، ذلك الصوت الذي طالما توسل اليهم من قبل قائلا: ”ارجعوا ارجعوا عن طرقكم الرديئة فلماذا تموتون“ ؟ (حزقيال ٣٣ : ١١). آه، يا ليته كان بالنسبة لهم صوت شخص غريب ! يقول يسوع: ”لاني دعوت فأبيتم ومددت يدي وليس من يبالي . بل رفضتم كل مشورتي ولم ترضوا توبيخي“ (امثال ١ : ٢٤ و ٢٥). ذلك الصوت يوقظ فيهم ذكريات يودون من كل قلوبهم ان يلاشوها، فهي انذارات رُذلت ودعوات رُفضت وامتيازات احتُقرت. GC 695.3
هناك الذين قد سخروا بالمسيح في حالة اتضاعه . فبقوة مروعة تعود الى اذهانهم ذكريات أقوال المسيح المتألم عندما استحلفه رئيس الكهنة فأعلن قائلا له بكل وقار: ”من الآن تبصرون ابن الانسان جالسا عن يمين القوة وآتيا على سحاب السماء“ (متى ٢٦ : ٦٤) .والآن ها هم يرونه في مجده وسيرونه بعد ذلك جالسا عن يمين القوة. GC 695.4
والذين سخروا بتصريحه بانه ابن الله يبكون الآن . فها هيرودس المتعجرف الذي استهزأ بلقب المخلص الملوكي وأمر عساكره الهازئين بان يتوجوه ملك ا. وها الرجال انفس هم الذين بأيدي الاثم ألبسوه الرداء الارجواني ووضعوا اكليلا من شوك على جبينه المقدس، وفي يده المستسلمة وضعوا قصبة زائفة، وكانوا يجثون قدامه في استهزاء تجديفي . فالرجال الذين ضربوا رئيس الحياة ولطموه وبصقوا عليه يريدون الآن ان يحولوا وجوههم عن نظراته الفاحصة ويحاولون الهرب من مجد حضوره القاهر . والذين ثقبوا يديه ورجليه بالمسامير والجندي الذي طعن جنبه يشاهدون هذه السمات برعب وحزن. GC 696.1
وها الكهنة والشيوخ يذكرون احداث جلجثة بدقائقها المخيفة . وبرعب وارتجاف يذكرون كيف انهم وهم يهزون رؤوسهم بتشامخ شيطاني صرخوا قائلين: ”خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر ان يخلصه ا. ان كان هو ملك اسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به . قد اتكل على الله فلينقذه الآن ان اراده“ (متى ٢٧ : ٤٢ و ٤٣). GC 696.2
وبكل وضوح ذكروا مثل المخلص الذي أورده عن الكرامين الذين رفضوا ان يقدموا الى سيدهم من ثمر الكرم وا لذين اهانوا عبيده وقتلوا ابنه .ثم هم يذكرون ايضا الحكم الذي قد نطقوا به بأفواههم . قالوا: ”أولئك الاردياء يهلكهم (صاحب الكرم) هلاكا رديا ”. ففي خطيئة أولئك الرجال الخونة وقصاصهم يرى الكهنة والشيوخ تصرفهم وقصاصهم ودينونتهم العادلة نفسه ا. أما الآن فان صرخة عذاب مميت تصدر من أفواههم أعلى من تلك التي نطقوا بها امام بيلاطس حين قالوا: ”اصلبه اصلبه“ والتي رددت صداها شوارع أورشليم، فترتفع صرخات العويل المخيف قائلة: ”انه ابن الله ! انه مسيا الحقيقي !“ ويحاولون الهروب من حضرة ملك الملوك . وفي كهوف الارض العمي قة التي قد انشقت بفعل العناصر المتحاربة يحاولون الاختباء، ولكن عبثا. GC 696.3