كانت لموت هس نتائج غير ما كان يرجوه البابويون . فنقض صك الامان أثار عاصفة شديدة من السخط، لذلك ارتأى المجمع أنه بدلا من حرق جيروم يستحسن ارغامه على التراجع ان كان ذلك في الامكان . فأتي به أمام المجلس وعُرض عليه ان يختار إما أن ينكر تعاليمه وايمانه واما أن يحرق بالنار . ان موت جيروم عند بدء إلقائه في السجن كان يمكن أن يكون رحمة بالمقارنة مع العذابات الهائلة التي احتملها، أما الآن، وقد أضعفه المرض والآلا م التي قاساها في السجن وعذاب الجزع والقلق وهو بعيد من اصدقائه وانهيار قواه بعد موت هس، فقد خارت قوة احتماله وخذله جلده فرضي بالخضوع للمجمع . وتعهد بأن يتمسك بالعقيدة الكاثوليكية وقبل قرار المجمع الذي أدان تعاليم ويكلف وهس، باستثناء ”الحقائق المقدسة“ التي علّما بها (٣٤). GC 124.1
وبهذه الوسيلة حاول جيروم اسكات ضميره والنجاة من حكم الموت . لكنه اذ كان منفردا في سجنه اتضح له جسامة ما فعل . تذكر شجاعة هس وولاءه، وعلى نقيض ذلك تأمل في تنكره للحق ولمعلمه الالهي الذي كان قد تعهد خدمته والذي إحتمل لأجله موت الصليب . كان قبل تر اجعه يجد العزاء في وسط آلامه اذ كان واثقا من رضى الله، أما الآن فقد تعذبت نفسه من فرط الندم وصارت نهبا للشكوك . وعرف أنه لا بد له من أن يتراجع وينكر أشياء كثيرة قبل أن يتصالح مع روم ا. والطريق الذي بدأ يسير فيه كان ينتهي حتما الى الارتداد التام . ولذلك فقد عزم على أمر وهو أنه ينبغي له ألا ينكر سيده لكي ينجو من آلام قصيرة الامد. GC 124.2
وسرعان ما أُتي به ثانية ليمثل أمام المجمع . فلم يكن خضوعه كافيا لاقناع قضاته. وتعطشهم لسفك الدم الذي قد أهاجه موت هس ألح في طلب ضحايا جديدة. ولم يكن متاحا الابقاء على حياة جيروم الا باست سلام الحق من غير تحفظ. ولكنه كان قد عقد العزم على المجاهرة بايمانه واتباع مثال أخيه الشهيد ولو طرح في النار. GC 124.3
وقد تبرأ من انكاره السابق، وكإنسان مائت طلب بكل خشوع فرصة يقدم فيها دفاعه . واذ كان الاساقفة يخافون تأثير أقواله أصروا على أنه يجب إما أن يصادق على صحة التهم الموجهة اليه واما ان ينكره ا. فاحتج جيروم على تلك القسوة وذلك الظلم قائلا: ”لقد ابقيتموني سجينا ٣٤٠ يوما في سجن رهيب. وكنت محاطا بالاقذار والوخامة والروائح الكريهة . وكنت في عوز الى كل شيء، ثم توقفونني امامكم وتميلون آذانكم لسماع أقوال اعدائي القس اة ثم وترفضون سماع أقوالي ... فاذا كنتم حقا رجالا حكماء وانوار العالم فاحترسوا لئلا تأثموا في حق العدالة . أما أنا فلست الا إنسانا ضعيفا، وحياتي ليست بذات أهمية، وعندما أحذركم من النطق بحكم جائر فاني أراعي مصلحتكم أكثر مما أراعي مصلحتي“ (٣٥). GC 125.1
أخيرا أجيب الى ط لبه، وأمام القضاة جثا جيروم وصلى طالبا من روح الله أن يضبط أفكاره وأقواله حتى لا يتكلم كلاما مناقضا للحق أو غير جدير بكرامة سيده . وقد تم له وعد الرب للتلاميذ الاولين اذ قال لهم يسوع: ”وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي ... فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تت كلمون لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم“ (متى ١٠ : ١٨ — ٢٠). GC 125.2