أثار كلام جيروم الدهشة والاعجاب حتى في نفوس أعدائه . لقد ظل عاما كاملا محبوسا في سجن مظلم وهو عاجز عن أن يقرأ أو حتى يرى شيئا، عرضة لآلام جسمية مبرحة وجزع عقلي . ومع ذلك فقد قدم حججه بوضوح وقوة عظيمين كما لو كان اشبعها درس ا. ووجَّه افكار سامعيه الى الصف الطويل من الرجال القديسين الذين دانهم قضاة ظالمون . ففي كل جيل تقريبا وجد أناس كانوا يحاولون أن يرفعوا من شأن أمتهم ومع ذلك فقد عُيروا وطُردوا، ولكن بعد ذلك بزمن طويل اتضح أنهم جديرون بالكرامة . والمسيح نفسه حُكم عليه كفاعل شر أمام محكمة ظالمة. GC 125.3
ان جيروم عندما تخاذل من قبل بدا كأنه صادق على عدالة الحكم بادانة هس، أما الآن فقد جاهر بأنه نادم على ما قال وشهد ببراءة ذلك الشهيد وقداسته فقال: ”لقد عرفته منذ طفولته . وقد كان رجلا فاضلا وعادلا وقديسا، وحُكم عليه بالموت على رغم براءته ... وأنا أيضا مستعد للموت ولن انكص أو أنكمش أمام العذابات التي قد أعدها لي أعدائي وشهود الزور الذين سيقدمون حسابا يوما ما عن ادعاءاتهم أمام الله العظيم الذي لا يمكن أن يُخدع“ (٣٦). GC 126.1
وجعل جيروم يلوم نفسه على انكاره الحق، فاستأنف كلامه قائلا: ”من بين كل الخطايا التي قد أرتكبتها منذ شبابي لا توجد خطية تضغط بثقلها على وجداني وتسبب لي ندامة أليمة كهذه الخطيئة التي ارتكبتها في هذا المكان المشؤوم عندما وافقت على الحكم الجائر ضد ويلكف وجون هس، الشهيد القديس معلمي وصديقي . نعم! اني أعترف من أعماق قلبي وأعلن برعب عظيم أنني قد جبنت جبنا مشينا عندما حكمت ظلما على تعاليمهما مدفوعا بدافع الخوف من الموت . لأجل ذلك أنا أتوسل ... الى الله القدير أن يتعطف عليَّ ويغفر خطاياي وعلى الخص وص هذه الخطيئة التي هي أفظعها جميع ا. ”ثم أشار الى قضاته وقال لهم بكل ثبات: ”لقد حكمتم على ويكلف وعلى جون هس لا لانهما زعزعا عقيدة الكنيسة بل لأنهما وصما بوصمة العار الفضائح التي ارتكبها رجال الاكليروس: ترفعهم وتنعمهم وكبرياءهم وكل رذائل الاساقفة والكهنة . فما أكَّداه من الحقائق التي لا تنقض أجاريهما فيه وأعلن ما قد أعلناه“. GC 126.2
قوطعت أقواله، وأرتجف الأساقفة من شدة الحنق والسخط وصاحوا قائلين: ”ما حاجتنا بعد كل هذا الى برهان جديد؟ ها نحن نرى بعيوننا أشد الهراطقة عنادا ماثلا أمامنا؟“ GC 126.3
فاذ لم تكن تلك العاصفة لتؤثر ف يه صاح جيروم قائلا: ”ماذا! أتظنون أنني أخاف الموت؟ لقد حبستموني سنة كاملة في سجن مخيف هو أرهب من الموت نفسه . ولقد قسوتم في معاملتي اكثر مما لو كنت تركيا أو يهوديا أو وثنيا. ولقد بلي لحمي بالمعنى الحرفي وتساقط عن عظامي وأنا على قيد الحياة. مع ذلك فأنا لا أشكو لان النوح والعويل غير لائقين برجل ذي قلب وروح. ولكن لا يسعني الا ان أبدي دهشتي من مثل هذه الوحشية التي بها تعاملون انسانا مسيحيا“ (٣٧). GC 127.1