ومرة أخرى ثارت عاصفة الغضب ثم أسرعوا باعادة جيروم الى السجن . ومع ذلك فلقد كان بين اولئك المجتمعين قوم تأثروا من كلامه تأثرا عميقا فحاولوا انقاذه. وقد زاره بعض أحبار الكنيسة الذين الحوا عليه في الخضوع للمجمع . وقُدمت أعذب الأماني وأحلاها جزاء له على تنازله عن مقاومة روم ا. ولكن كما تصرَّف معلمه عندما أهدي اليه مجد العالم ظل جيروم ثابتا. GC 127.2
قال لهم: ”برهنوا لي من الكتب المقدسة على أنني مخطئ وأنا أجحد ما قد صرحت به“. GC 127.3
فصاح أحد الذين جاؤوا يجربونه قائلا: ”هل الكتب المقدسة هي اذاً ما يجب أن يقاس به كل أمر؟ من ذا الذي يستطيع أن يفهمها قبل أن تفسرها الكنيسة؟“. GC 127.4
أجاب جيروم قائلا: ”وهل تعاليم الناس أحق بالايمان من انجيل مخلصنا؟ ان بولس لم يوصِ من كتب اليهم بأن يصغوا الى تقاليد الناس بل قال : فتشوا الكتب“. GC 127.5
فجاءه الجواب يقول: ”أيها الهرطوقي ! اني نادم لأني تحاججت معك هذا الوقت الطويل. وأنا أرى أنك مسوق بقوة الشيطان“ (٣٨). GC 127.6
وبعد قليل صدر حكم الادانة عليه فأخ ذوه الى المكان نفسه الذي فيه أسلم هس روحه . فاذ كان سائرا الى ساحة الموت كان يسبح الله، وقد أشرق على محياه نور الفرح والسلام . وثبّت نظره في المسيح، وما عاد الموت مرعبا في نظره . وعندما خطا الجلاد من خلفه وهو موشك أن يشعل النار صاح الشهيد قائلا: ”تقدم الى الأ مام بشجاعة وأشعل النار أمام وجهي . فلو كنت خائفا لما أتيت الى هنا“. GC 128.1
وكان آخر ما قاله عندما أشعلت النار وأمتدت اليه ألسنة اللهيب صلاة قال فيها: ”يا ربي وأبي القدير أرحمني وأغفر خطاياي لأنك تعلم أنني قد أحببت حقك دائم ا“ (٣٩). وبعد ذلك ما عاد صوته يُسمع إنما ك انت شفتاه تتحركان بالصلاة. وعندما أتت عليه النار جُمع رماده والتراب الذي كان تحته والقي في نهر الرين كما قد حدث لهس. GC 128.2
وهكذا مات ذانك الرجلان الأمينان حاملا نور الله . لكنّ نور الحق الذي أعلناه، نور مثالهما وبطولتهما، لا يمكن اخفاؤه . فاذا كان يسهل على الناس أن يُرجعوا الشمس في مسيرها فانهم يستطيعون أن يحولوا دون بزوغ نور ذلك النهار الذي بدأ منذ ذلك الحين ينفجر مشرقا على العالم. GC 128.3