كان اعدام هس قد اضرم نار غضب ورعب عظيم في بوهيمي ا. لقد أحست الأمة كلها أنه سقط فريسة حقد الكهنة وغدر الامبراطور . وقد أُعلن انه كان معلما أمينا للحق، واتُّهم المجمع الذي حكم بموته بارتكاب جريمة قتل . لكنّ تعاليمه اجتذبت اهتماما أعظم من كل ما حدث من قبل . وبناء على مراسيم أصدرها البابا كان حكم بحرق مؤلفات ويكلف، لكنّ المؤلفات التي هُرِّبت ونجت من النار أخرجت من مخابئها ود رست مع الكتاب المقدس أو بعض اجزائه التي استطاع الناس الحصول عليها، وكثيرون اعتنقوا الايمان المصلح. GC 128.4
لكنّ قاتلي هس لم يستطيعوا أن يقفوا هادئين مكتوفي الأيدي وهم يرون انتصار دعوته . لقد اتحد البابا مع الامبراطور على سحق تلك الحركة فهجمت جيوش سجسموند على بوهيميا. GC 129.1
لكنّ الرب أقام مخلصا يدعى زسكا، أصيب بالعمى عند بدء الحرب ومع ذلك كان من أقدر قواد عصره . وقد صار قائدا لجيش بوهيمي ا. فاذ استند ذلك الشعب الى معونة الله وعدالة قضيتهم ثبتوا أمام أقوى الجيوش التي جُرِّدت ضدهم، ومرارا وتكرارا عبأ الامبراطور جيوشا جديدة وغزا بوهيميا، وفي كل مرة كان يُصد صدا مشين ا. كان أتباع هس قد ارتفعوا فوق مستوى الخوف من الموت، فلم يستطع أي جيش ان يصمد أمامهم . وبعد بدء الحرب بسنين قليلة مات زسكا الشجاع فخلفه بروكوبيوس وكان مثله قائدا شجاعا محنكا، بل كان أقدر منه في بعض النواحي. GC 129.2
واذ علم أعداء شعب بوهيميا أن قائدهم الأعمى مات ظنوا أن الفرصة مؤاتية لاسترداد كل ما خسروه . حينئذ أعلن البابا حربا صليبية ضد أتباع هس، ومرة أخرى جُرد جيش على بوهيميا فمُني بهزيمة ساحقة . ثم أعلن عن تجريد حملة أخرى وجُم ع من كل الممالك الخاضعة لسلطان البابا في أوروبا الرجال والأموال والذخيرة الحربية . وتقاطرت جماهير كثيرة من الرجال واحتشدوا تحت راية البابا وهم واثقون انهم في النهاية سيقطعون دابر أتباع هس الهراطقة . اقترب الجيشان ولم يكن يفصل واحدهما عن الآخر غير نهر. ”كان الصليبيون يفوقون أعداءهم عدداً وقوة ولكن بدلا من أن يعبروا النهر ويهجموا عليهم وقفوا يرنون صامتين الى اولئك المحاربين“ (٤٠)، حينئذ وقع على جيش الغزاة رعب غامض، ومن دون أن يضربوا ضربة واحدة انكسر ذلك الجيش العظيم وتشتت شملهم كما لو أن قوة غير منظورة طردتهم . وقتل جيش هس عددا كبيرا منهم، ثم طاردوا الهاربين ووقعت في أيدي اولئك المنتصرين غنائم كثيرة، حتى أن الحرب لم تؤدِ بهم الى الفقر بل اغنتهم غنى جزيلا. GC 129.3
وبعد سنين قليلة قام بابا جديد وجرد عليهم حملة اخرى من المشاة . وكما حدث في المرة السالفة جُمعت الذخائر والأمو ال من كل الممالك الأوروبية الخاضعة لحكم الباب ا. وكانت الاغراءات المعروضة على من رغبوا في دخول تلك الحرب الخطرة عظيمة . فلقد عُرض تأكيد بغفران أفظع الخطايا التي ارتكبها الصليبيون، كما قُطع وعد بجزاء صالح عظيم في السماء لمن يموتون في تلك الحرب، ومن يبقون أحياء كانوا سيحصلون على الكرامة والغنى في ساحة القتال . ومرة أخرى حُشد جيش عظيم، واذ عبروا الحدود دخلوا بوهيمي ا. تراجعت امامهم جيوش هس انكسارا، وهكذا اجتذبوا الغزاة الى عمق البلاد بحيث جعلوهم يعتقدون أنهم قد أحرزوا النصرة . أخيرا وقف جيش بروكوبيوس ثابتا في مكانه، واذ ارتدوا الى العدو تقدموا ليلتحموا معهم في القتال . ولما اكتشف الصليبيون خطأهم ظلوا في معسكرهم ينتظرون الهجوم . وعندما سمع صوت الجيش الزاحف، بل قبل أن يروه، وقع رعب عظيم على الصليبيين . واذا بالامراء والقواد والجنود العاديين يُلقون اسلحتهم ويفرون هاربين في كل اتجاه . وعبثا حاول القاصد الرسولي الذي كان قائدا للغزاة أن يلم شمل الجيش المرتعب الذي شمله الارتباك والفوضى . وعلى رغم الجهود العظيمة التي بذلها إنجرف هو أيضاً مع جموع الهاربين . فكانت الهزيمة ماحقة، ومرة أخرى جمع المنتصرون غنائم وافرة. GC 130.1
وهكذا ففي المرة الثانية اذ خرج جيش عظيم من أقوى دول أوروبا، جيش من الرجال المحاربين المدربين على استخدام الاسلحة في القتال، هربوا من دون أن يضربوا ضربة واحدة أمام الجيش الصغير المدافع عن تلك الدولة الضعيفة . هنا ظهرت قدرة الله . لقد اصاب الغزاة رعبٌ عظيم فائق الطبيعة . فذاك الذي طرح جيوش فرعون في بحر سوف، والذي هزم جيوش مديان أمام جدعون ورجاله الثلاث مئة، والذي في ليلة واحدة قتل كل رجال جيوش ملك أشور المتكبر، مدَّ يده مرة أخرى ليضعف قوة الطغاة الظالمين. ”هناك خافوا خوفا ولم يكن خوف لان الله قد بدد عظام محاصرك. أخزيتهم لان الله قد رفضهم“ (مزمور ٥٣ : ٥). GC 130.2