في هذا الوقت كان فيه لوثر في اشد الحاجة الى عطف صديق امين ومشورته ارسلت عناية الله ميلانكثون الى وتنبرج . كان هذا الانسان شابا وديعا وخجولا في عاداته فكسب حكمه الصائب وعلمه الواسع وفصاحته الآسرة، بالاضافة الى طهارة اخلاقه واستقامته، اعجاب الناس وتقديرهم جميع ا. ولم يكن تألق مواهبه اكثر بروزا من رقة ميوله ومزاجه . وسرعان ما صار تلميذا غيورا جدا للانجيل وصديق لوثر الموثوق به ومعينه الفعّال . وكانت رقته وحذره ودقته مكملة لشجاعة لوثر ونشاطه . ان اتحادهما في العمل اضفى على الاصلاح قوة، وهكذا صار ميلانكثون مصدر تشجيع عظيم للوثر. GC 149.1
عينت مدينة اوجسبرج مكانا للمحاكمة، فسار المصلح اليها على قدميه. وقد بدأت المخاوف الجسيمة تتجمع من حوله ، وكانت تُسمع تهديدات علنية تفيد بأنه سيقبض عليه ويُقتل في الطريق ، فتوسل اليه اصدقاؤه الا يتقدم في سيره مخاطرا بحياته، بل استحلفوه بأن يترك وتنبرج الى حين ويلجأ الى من يستطيعون حمايته، لكنه رفض التخلي عن المركز الذي قد وضعه الله فيه . عليه ان يظل امينا في الدفاع عن الحق على رغم العواصف التي كانت تهب عليه وتصدمه . وهذا ما قاله: ”اني أشبه ارميا الذي كان رجل خصام ونزاع . ولكن بقدر ما تزيد تهديداتهم وتتعالى صيحاتهم يتضاعف فرحي ... لقد حطموا كرامتي وسمعتي . ولكن بقي شيء واحد وهو جسدي التعس المضني، فليأخذوه، فانهم بذلك يقصرون حياتي ساعات قليلة . أما نفسي فلا يستطيعون ان يمسوه ا. ان من يرغب في اعلان كلمة المسيح للعالم ينبغي له ان ينتظر الموت في كل لحظة“ (٦٣). GC 149.2
اغتبط مبعوث البابا اغتباطا عظيما لدى علمه بوصول لوثر الى اجسبرج . فذلك الهرطوقي المشاغب الذي قد استرعى انتباه العالم كله بدا الآن وكأنه صار في قبضة يد روم ا. وقد صمم ذلك السفير على الا يدعه يفلت . وكان المصلح قد اخفق في الحصول على صك الامان لنفسه، فألح عليه اصدقاؤه بألا يمثل أمام السفير قبل الحصول على ذلك الصك، وسعوا هم انفسهم الى الحصول علىه من الامبراطور . وقد قصد مبعوث البابا ان يرغم لوثر على التراجع إن أمكن، فان أخفق في ذلك فسيأمر بحمله الى روم ا ليقاسم هس وجيروم مصيرهما، ولذلك حاول عن طريق اعوانه أن يغري لوثر بالمثول امامه من دون أن يكون معه صك أمان ويسلم نفسه لرحمته . لكنّ المصلح لم يفعل ذلك فلم يمثل أمام سفير البابا الا بعد حصوله على وثيقة يلتزم فيها الامبراطور حمايته. GC 149.3
ومن باب السياسة والحيل ة عزم البابويون على ان يحاولوا كسب لوثر بالتظاهر بالرقة واللطف نحوه . وتظاهر القاصد الرسولي في حديث مع لوثر بالود والانعطاف والصداقة نحوه، لكنه أمر لوثر أن يخضع بكل ثقة لسلطان الكنيسة ويسلم في كل نقطة بلا محاجة او تساؤل . انه لم يكن يقدر الرجل الذي كان يتعامل معه تقديرا صائب ا. فأجابه لوثر بقوله انه يعتبر الكنيسة ويوقرها، وانه يرغب في الحق، وانه يريد أن يجيب على كل اعتراض ضد ما قد علَّم به، وان يُخضع تعاليمه لحكم بعض الجامعات العظيمة. ولكنه في الوقت نفسه اعترض على تصرف الكردينال اذ طلب منه ان يتراجع من دون ان يبرهن له انه على ضلال. GC 150.1