لكنّ الجواب الوحيد كان هذ ا: ”تراجع، تراجع!“ أما المصلح فأبان له انه يستند في موقفه هذا الى سلطان الكتب المقدس ة، وأعلن بكل ثبات انه لا يستطيع ان يرفض الحق . فاذ لم يستطع ذلك السفير الاجابة على حجج لوثر أمطره بسيل من الفاظ التعيير والسخرية والمداهنة المحشوة باقتباسات من التقليد واقوال الآباء، وبذلك لم يعطِ المصلحَ فرصة للكلام . فاذ رأى لوثر انه لو استمر المؤتمر على ه ذه الحال فسيكون عقيما استطاع اخيرا ان يحصل من السفير على اذن بتقديم جوابه كتابة، وان يكن على مضض. GC 150.2
كتب لوثر الى صديق له يقول: ”وبهذا العمل يجني المظلوم كسبا مضاعفا: اولا لأن الرسالة المكتوبة يمكن أن يطلع عليها آخرون ليحكموا للكاتب أو عليه، وثانيا لأن الانس ان تكون لديه فرصة افضل للتأثير على مخاوف طاغية متكبر يهذي ويفضل بالاحرى ان يغلب بكلامه المتغطرس، وربما على ضميره أيضاَ“ (٦٤). GC 151.1
وفي الاجتماع التالي قدم لوثر تفسيرا واضحا موجزا مؤثرا لآرائه، وكان يستند في ذلك الى اقتباسات كثيرة من كلمة الله . فبعدما قرأ هذه الورقة بصوت عال سلمها الى الكردينال الذي القاها جانبا بكل احتقار معلنا انها مجموعة اقوال تافهة واقتباسات في غير محله ا. وقد ثار لوثر بسبب هذا الكلام وتقدم لمواجهة المبعوث المتكبر في ميدانه، أي تقليد الكنيسة وتعاليمها، فهدم كل ادعاءاته. GC 151.2
وعندما رأى السفير انه ليس نداً اذ قد عجز عن الاجابة على حججه لم يستطع ضبط نفسه، ففي غضب واهتياج صاح قائلا للوثر: ”تراجع والا فسأرسلك الى روما لتمثل هناك أمام القضاة المفوَّض اليهم الاطلاع على قضيتك. اني لاحرمنَّك وكل مشايعيك وكل مؤيديك ومشجعيك وسأخرجهم من الكنيسة“. واخيرا اعلن بنغمة متعجرفة غاضبة قائلا: ”تراجع والا فلا ترجع ” ثانية“ (٦٥). GC 151.3
انسحب المصلح واصدقاؤه على الفور، وبذلك اعلن بكل جلاء الا يُنتظر منه ان يتراجع . ولم يكن الكردينال يرمي الى ذلك . لقد كان يخدع نفسه انه بواسطة العنف والقسوة سيرعب لوثر بحيث يخضع . اما الآن وقد تُرك وحده مع مساعديه فقد جعل ينظر اليهم واحدا فواحدا. وقد اغتم غما شديدا لحبوط مؤامراته. GC 151.4
ولم تكن جهود لوثر في هذه المناسبة بلا نتائج حسنة . فلقد أتيحت لذلك الجمع الكبير فرصة للمقارنة بين الرجلين، وليحكموا بأنفسهم بشأن الروح التي ظهرت عند كل منهما كما بشأن قوته وصدق موقفه . وكم كان الفارق عظيماً ! لقد وقف المصلح البسيط الوضيع الثابت في ملْءِ قوة الله، والحق الى جانبه . أما ممثل البابا فكان صلِفا معتزا بنفسه ومتشامخا وغير واقعي، ولم يقدم حجة واحدة من كلام الله، ومع ذلك ففي حمو غضبه كان يصرخ قائلا: ”تراجع والا فسترسل الى روما لتنال جزاءك“. GC 151.5