وعلى الرغم من أن لوثر كان بيده صك الامان فقد كان البابويون يتآمرون للقبض عليه وايداعه السجن . وتباحث اصدقاؤه معه قائلين انه من العبث ان يطيل اق امته هناك بل عليه ان يعود الى وتنبرج بلا ابطاء وان يلزم جانب الحذر الشديد لاخفاء مقاصده . ولذلك فقد غادر اوجسبرج قبل الفجر ممتطيا صهوة جواد في صحبة دليل قدمه اليه الحاكم . فسار مخترقا شوارع المدينة المظلمة الساكنة في تكتم شديد وقد اكتنفت نفسه التطيرات . اما الا عداء اليقظون القساة فكانوا يتآمرون لاهلاكه . فهل سيفلت من الاشراك المنصوبة له؟ لقد كانت تلك اللحظات لحظات جزع وصلوات حارة . وقد وصل لوثر الى باب صغير في سور المدينة فاذ فُتح له خرج منه هو ودليله من دون مانع . فما إن خرجا من المدينة سالمين حتى أسرع ذانك الهار بان يفران بعيد ا. وقبلما علم السفير برحيل غريمه كان لوثر قد ابتعد عن مضطهديه . لقد انهزم الشيطان ورسله اذ افلت منهم الرجل الذي ظنوا انه قد وقع في قبضة ايديهم، نجا العصفور من فخ الصياد. GC 152.1
واذ علم مبعوث البابا نبأ هروب لوثر غمرته دهشة وغضب عظيمان . لقد كان يظن انه سيحصل على كرامة عظيمة لأجل حكمته وثباته في معاملة هذا الرجل الذي ازعج سلام الكنيسة، ولكن خاب امله . وقد عبَّر عن غضبه في خطاب ارسله الى فريدريك، منتخِب الامبراطور بالنيابة عن سكسونيا، فيه يتوعد لوثر ويأمر ذلك الحاكم بارساله الى روما او نفيه من سكسونيا . GC 152.2
وفي دفاع لوثر عن نفسه طلب ان يريه السفير او البابا اخطاءه بأدلة من الكتاب المقدس، وأخذ على نفسه عهدا مشددا بأن يهجر كل تعاليمه متى تبرهن له انها مناقضة لكلمة الله . وقد شكر الله الذي حسبه أهلا لأن يتألم من أجل هذه القضية المقدسة. GC 153.1
لم يكن المنتخِب يعرف الا ا لنزر اليسير من تعاليم الاصلاح تلك، لكنه تأثر تأثرا عميقا بصدق أقوال لوثر وقوتها ووضوحه ا. وقد صمم فريدريك على أن يكون حاميا للوثر الى أن يثبت ”خطأه. وجوابا على أمر رسول البابا قال: ”ما دام الدكتور مارت قد مُثل أمامك في اوجسبرج فيجب ان نكتفي بذلك . أننا لم نكن ننتظر منك أن تحاول حمله على التراجع من دون أن تقنعه بأخطائه . ولم يخبرني احد من العلماء في كل ولايتنا بأن عقيدة لوثر كفرية أم مضادة للروح والتعاليم المسيحية أو أنها ضلالة“ . وفوق ذلك فقد رفض ذلك الامير أن يرسل لوثر الى روما أو أن يطرده من ولاياته“ (٦٦). GC 153.2
لقد رأي ذلك المنتخب أن هنالك انهيارا عاما في الروادع الاخلاقية في المجتمع. فكانت الحال تستدعي وتتطلب القيام باصلاح عظيم . فلو اعترف الناس بمطالب الله وارشاد ضمائرهم المستنيرة وأطاعوها لما كان ثمة حاجة الى الاجراءات المعقدة لكبح الجرائم ومعاقبة مرتكبيه ا. وقد رأى أن لوثر كان يجاهد لكي يصل الى هذه الغاية، وفرح في سره لأن تأثيرا افضل كان يفرض نفسه في الكنيسة، وقد بدأ الناس يحسون به. GC 153.3