وقد رأى ايضا أن لوثر كاستاذ في الجامعة كان ناجحا جد ا. لم تكن قد مضت غير سنة واحدة منذ الصق لوثر مباحثه على باب الكنيسة في القلعة، ومع ذلك فقد نقص عدد الحجاج الوافدين عليها في عيد جيمع القديسين نقصا ملحوظ ا. لقد حُرمت روما من عابديها وتقدماتهم، لكنّ مكان هؤلاء قد شغله اناس آخرون وطبقة اخرى جاء افرادها الآن الى وتنبرج لا كحجاج يمجدون ذخائرها بل كطلاب يملأون قاعات العلم فيه ا. ان كتابات لوثر ومؤلفاته قد اضرمت في كل مكان اهتماما بالكتب المقدسة، فتقاطر الطلبة الى الجامعة لا من المانيا وحدها بل من بلدان اخرى . وبعض الشباب اذ أقبلوا على وتنبرج لأول مرة ”رفعوا ايديهم الى السماء شكرا لله الذي جعل النور ينبثق من هذه المدينة كما قد انبثق من صهيون في العصور القديمة، ومنها انتشر الى ابعد الممالك“ (٦٧). GC 153.4
ولم يكن لوثر الى ذلك الحين قد رجع عن ضلالات البابوية رجوعا كاملا، بل كان رجوعه جزئي ا. ولكنه عندما كان يقارن بين الوحي المقدس والمراسيم والقوانين البابوية كان يمتلئ دهشة . وقد كتب يقول: ”اني الآن ماض في قراءة مراسيم الباباوات ... وانا لا اعلم ما اذا كان البابا هو المسيح الدجال نفسه ام هو رسوله، فلقد شوِّه المسيح وصلب في الباباوات الى حد كبير جد ا“ (٦٨). ومع ذلك ففي ذلك الحين كان لوثر لا يزال يؤيد كنيسة روما، ولم يكن يفكر في الانفصال عن شركتها. GC 154.1
كانت مؤلفات ذلك المصلح وتعليمه تنتشر في كل دول العالم المسيحي . وامتد العمل الى سويسرا وهولاندة، كما وجدت نسخ من مؤلفاته طريقها الى فرنسا واسباني ا. وفي انجلترا قبل الناس تعاليمه كأنها كلمة الحياة . وامتد الحق الى بلجيكا وايطالي ا ايض ا. لقد بدأ آلاف الناس يستيقظون من سباتهم الشبيه بالموت الى فرح حياة الايمان والرجاء. GC 154.2
غضبت روما واهتاجت بسبب هجمات لوثر، وصرح بعض المتعصبين من خصومه، وحتى بعض دكاترة الجامعات الكاثوليكية، أن من يقتل هذا الراهب المتمرد فلا جُناح عليه ولا اثم . وفي احد الايام اقترب الى المصلح رجل غريب وكان يخفي غدارة تحت ثيابه وسأله لماذا هو سائر هكذا وحده فأجابه لوثر قائلا: ”انني بين يدي الله فهو قوتي وترسي . فماذا يصنع بي الانسان؟“ (٦٩)، فاذ سمع الغريب هذا الكلام اكفهر وجهه وهرب بعيدا كمن يهرب من محضر ملائكة السماء. GC 154.3
كانت روما مصرة على اهلاك لوثر، لكنّ الله كان حصنا له ومجنّ ا. لقد انتشرت تعاليمه في كل مكان، ”في الاكواخ والاديرة ... في قلاع النبلاء وفي الجامعات وفي قصور الملوك“. وفي كل مكان قام النبلاء يؤيدونه في جهوده (٧٠). GC 155.1
في تلك الاثناء اذ كان لوثر يقرأ مؤلفات هس وج د ان ذلك الحق العظيم، حق التبرير بالايمان الذي كان هو نفسه يحاول أن يؤيده ويعلِّمه، كان هو الحق نفسه الذي اعتنقه ذلك المصلح البوهيمي . فقال لوثر: ”اننا جميعا، بولس واغسطينوس وانا، قد صرنا من اتباع هس من دون ان ندري“. ثم تابع كلامه قائلا: ”ان الله بكل تأكيد سيطال العالم بقصاصه اذ بشّره ذلك الشهيد بالحق ومع ذلك فقد احرقوه“ (٧١). GC 155.2
وفي عريضة رفعها لوثر الى امبراطور المانيا ونبلائها دفاعا عن اصلاح المسيحية كتب عن البابا يقول: ”انه لامر مرعب أن يرى الانسان ذلك الرجل الذي يدعو نفسه نائب المسيح يتظاهر بأبهة ووجاهة لا يكاد يضارعه فيهما أي امبراطور. فهل هو بهذا يشبه يسوع المسكين او بطرس الوضيع؟ ان الناس يقولون عنه انه سيد العالم ! لكنّ المسيح الذي يتشدق هو بأنه نائبه قال: ”مملكتي ليست من هذا العالم“. فهل يمكن أن يمتد سلطان النائب الى أبعد من حدود سلطان رئىسه وسيده؟“ (٧٢). GC 155.3
وكتب عن الجامعات يقول: ”اني أخشى جدا ان تكون الجامعات هي ابواب الجحيم الا اذا كانت تبذل كل جهد في شرح الكلمة الالهية المقدسة ونقشها في قلوب الشباب . واني لا انصح احدا بأن يودع ابنه في معهد لا يسود فيه الكتاب المقدس سيادة كاملة . ان كل معهد لا ينشغل الناس فيه على الدوام بدرس كلمة الله لا بد أن يصير فاسدا“ (٧٣). GC 155.4
انتشرت هذه الدعوة بسرعة في كل المانيا وكان لها تأثير عظيم في الشعب. لقد استيقظت الامة كلها ونهضت جموع كثيرة لينضووا تحت راية الاصلاح. واذ كان خصوم لوثر يلتهبون شوقا الى الانتقام الحو ا على البابا في اتخاذ اجراءات حاسمة ضده . فصدر أمر بادانة تعاليمه في الحال . واعطيت للمصلح واتباعه مهلة ستين يوما اذا لم يتبرأوا من تعاليمهم بعدها فسيقع عليهم الحرم البابوي جميعا. GC 155.5