ولكن فجأة يخترق وميض البرق أحشاء تلك الظلمات فيرى التلاميذ يسوع نائما لا تزعجه كل تلك الضجة ، وإذا بهم في ذهولهم ويأسهم يصرخون قائلين: “يا معلّم، أما يهمّك أننا نهلك؟” (مرقس 4 : 38). كيف يستريح هادئا مطمئنا بهذا الشكل في حين أنهم في خطر يصارعون الموت؟ ML 312.1
وقد أيقظ صراخهم يسوع. وإذ كشفه لهم نور البروق رأوا سلام السماء مرتسما على محياه ، وقرأوا نظراته المحبة الرقيقة التي لا تفكر في نفسها . وإذ اتجهوا إليه بقلوبهم صرخوا قائلين: “يا سيّد، نجّنا إننا نهلك!” (متى 8 : 25). ML 312.2
لم يسبق لأي نفس أن صرخت مثل تلك الصرخة ولم يلتفت السيد إليها. وإذ يمسك التلاميذ بالمجاديف ليبذلوا آخر مجهود يقوم يسوع . إنه يقف في وسط تلاميذه والعاصفة تثور عليهم والأمواج تصدمهم والبروق تلمع على وجهه . وإذا به يرفع يده التي طالما استخدمها في أعمال الرحمة ، ثم يقول للبحر الغاضب الصاخب: “اسكت. أبكم” (مرقس 4 : 39) وإذا بالعاصفة تهدأ والأمواج تسكن ، والسحب تنقشع والنجوم تلمع في السماء والسفينة تسير آمنة في ذلك البحر الهادئ . وإذ يلتفت يسوع إلى تلاميذه يسألهم قائلا في حزن: “ما بالكم خائفين هكذا؟ كيف لا إيمان لكم؟” (مرقس 4 : 40). ML 312.3
فاستولى على التلاميذ صمت مهيب. حتى بطرس لم يحاول التعبير عن الرهبة التي ملأت قلبه . هذا وإن السفن التي كانت سائرة في البحر لمرافقة سفينة يسوع كانت واقعة في نفس الخطر الذي كان محدقا بسفينة التلاميذ . كان الرعب واليأس قد استوليا على قلوب كل من كانوا في تلك السفن ، ولكن أمر يسوع أدخل السلام والهدوء إلى مشهد الرعب ذاك . إن عنف العاصفة جعل السفن تتقارب من بعضها البعض ولذلك رأى من كانوا على ظهرها تلك المعجزة . ففي غمرة السكون الذي شمل البحر نسي الخوف . فجعل الناس يتهامسون قائلين: “من هو هذا؟ فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه!” (مرقس 4 : 41). ML 312.4