كان اليهود موشكين أن يحتفلوا بعيد الفصح في أورشليم ، تذكارا لليلة نجاة العبرانيين عندما ضرب الملاك المهلك بيوت المصريين. أراد الرب أن يرشدهم إلى حمل الله عن طريق خروف الفصح ، و عن طريق الرمز يقبلون من قد بذل نفسه لأجل حياة العالم . ولكن اليهود كانوا يعلقون أهمية عظيمة على الرمز بينما أغفلوا معناه الحقيقي . لم يميزوا جسد الرب . ونفس الحق الذي كان يرمز إليه في خدمة الفصح قدم إليهم في كلام المسيح ، ومع ذلك لم يميزوه. ML 363.1
وهنا صاح المعلمون غاضبين: “ كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل؟” (يوحنا 6: 52). لقد تظاهروا بأنهم يفهمون كلامه بالمعنى الحرفي الذي فهمه نيقوديموس عندما سأل يسوع قائلا: “كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟” (يوحنا 3 : 4). لقد فهموا المعنى الذي قصده يسوع إلى حد ما ، ولكنهم لم يرغبوا في الاعتراف به ، إذ قصدوا بتحريفهم كلامه أن يؤلبوا الشعب ضده. ML 363.2
لم يرد المسيح أن يخفض من تصويره الرمزي بل ردد الحق على مسامعهم بلغة أقوى ، فقال: “ الحق الحق أقول لكم: إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه، فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله الحياة الأبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير، لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق. من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه” (يوحنا 6 : 53 — 56). ML 363.3
إن أكل جسد المسيح وشرب دمه هو قبوله مخلصا شخصيا. فنؤمن بأنه يغفر خطايانا وأننا كاملون فيه . فإذ ننظر إلى محبته ونتأمل فيها ونرشفها نصير شركاء في طبيعته .ينبغي أن يكون المسيح للنفس كالطعام للجسم . فنحن لا ننتفع بالطعام ما لم نأكله وما لم يصر جزءا من كياننا . فكذلك المسيح لا يمكن أن يكون ذا قيمة بالنسبة إلينا ما لم نعرفه مخلصا شخصيا لنا. إن المعرفة النظرية لا تنفعنا في شيء بل ينبغي لنا أن نغتذي به ونقبله في قلوبنا بحيث تصير حياته حياتنا ، كما ينبغي لنا أن نهضم محبته ونعمته. ML 363.4
ولكن حتى هذه الأمور تقصر عن إيضاح امتياز علاقة المؤمن بالمسيح. لقد قال يسوع: “كما أرسلني الآب الحي، وأنا حي بالآب، فمن يأكلني فهو يحيا بي” (يوحنا 6 : 57). فكما أن ابن الله يحيا بالإيمان بالآب كذلك علينا نحن أن نحيا بالإيمان بالمسيح . لقد سلم يسوع نفسه تسليما كاملا لمشيئة الله بحيث لم يظهر في حياته سوى الآب . فمع أنه كان مجربا في كل شيء مثلنا فقد وقف أمام العالم منزها عن الشر الذي كان يحيط به . كذلك علينا نحن أيضًا أن ننتصر كما قد انتصر المسيح. ML 364.1