“فتنهّد (يسوع بروحه” وإذ ترك تلك الجماعة المماحكة عاد فنزل في السفينة مع تلاميذه. وفي صمت حزين عبروا البحيرة مرة أخرى . ومع ذلك لم يعودوا إلى المكان الذي كانوا قد تركوه بل اتجهوا صوب بيت صيدا بقرب المكان الذي فيه أشبع الخمسة الآلاف . وعندما وصل يسوع إلى الناحية القصوى قال: “انظروا، وتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين” (متى 16 : 6). كان اليهود منذ عهد موسى معتادين أن ينزعوا الخمير من بيوتهم في أيام عيد الفصح ، وقد تعلموا أن الخمير يرمز إلى الخطية . ومع ذلك فإن التلاميذ لم يفهموا مراد يسوع . فإنهم إذ رحلوا عن مجدل فجأة نسوا أن يأخذوا خبزا فلم يكن معهم غير رغيف واحد ، وظنوا أن يسوع يشير إلى ذلك الظرف محذرا إياهم حتى لا يشتروا خبزا لا من فريسي ولا من صدوقي . إن عدم إيمانهم ، وافتقارهم إلى الإدراك الروحي جعلاهم في أحيان كثيرة يسيئون فهم أقوال المسيح كما في هذه المرة. أما الآن فقد وبخهم يسوع لكونهم ظنوا أنه ، هو الذي أشبع آلافا من الناس بقليل من أرغفة الشعير وصغار السمك ، يشير بهذا الإنذار الخطير فقط إلى الطعام البائد .لقد كان هنالك خطر من أن مجادلات الفريسيين والصدوقيين الماكرة تخمر عقول التلاميذ وقلوبهم بخمير عدم الإيمان وتجعلهم يستخفون بأعمال المسيح. ML 384.3
كان التلاميذ يميلون إلى الاعتقاد أن معلمهم كان ينبغي أن يجيب أولئك الرؤساء إلى طلبهم فيريهم آية من السماء. كانوا يعتقدون بقدرته الأكيدة على ذلك ، وأن مثل تلك الآية قد تبكم أولئك الأعداء . ولكنهم لم يكونوا يميزون رياء أولئك القوم المماحكين. ML 385.1
وبعد ذلك بشهور “إذا اجتمع ربوات الشعب، حتى كان بعضهم يدوس بعضاً” ردد يسوع نفس ذلك التعليم، ابتدأ يقول لتلاميذه: “أولاً تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء” (لوقا 12 : 1). ML 385.2
إن الخمير يوضع في العجين فيعمل عمله خفية ويحول العجين كله إلى خمير مثله. وهكذا إذا سمح للرياء بالوجود في القلب فهو يتخلل الخلق والحياة بجملتها . ومن الأمثلة المدهشة على رياء الفريسيين ما وبخهم المسيح عليه حين فضح ممارسة “القربان” الذي بواسطته كان الأبناء يخفون خطية إهمال الواجب نحو الآباء تحت ستار التظاهر بالسخاء في تقديم العطاء للهيكل. كان الكتبة والفريسيون يروجون المبادئ الخادعة ويخفون الاتجاه الحقيقي لمبادئهم وينتهزون كل فرصة لكي يبثوها بكل دهاء في عقول سامعيهم . فهذه المبادئ الزائفة متى قبلها الناس فهي تعمل عمل الخميرة في العجين إذ تنفذ إلى الخلق وتفسده . فهذا التعليم الخادع هو الذي جعل من الصعب على الشعب أن يقبلوا أقوال المسيح. ML 385.3