ففيما كانوا منتظرين في أسفل الجبل أحضر رجل ابنه إليهم ليحرروه من روح نجس أخرس كان يعذبه. لقد كان السلطان على إخراج الأرواح النجسة معطى للتلاميذ عندما أرسل يسوع الاثني عشر ليكرزوا في كل الجليل . فعندما خرجوا وهم أقوياء بالإيمان خضعت الأرواح الشريرة لسلطانهم . والآن هاهم يأمرون ذلك الروح المعذب باسم يسوع أن يخرج من الصبي ، ولكن الشيطان جعل يسخر بهم بإظهار قوته من جديد . وإذ لم يكن التلاميذ يستطيعون أن يعرفوا سبب هزيمتهم أحسوا بأنهم قد جلبوا العار على أنفسهم وعلى معلمهم . وكان بين ذلك الجمع قوم من الكتبة الذين أرادوا انتهاز تلك الفرصة لإذلالهم . فإذ ازدحموا حول التلاميذ جعلوا يمطرونهم بالأسئلة محاولين إثبات كونهم هم ومعلمهم قوما مخادعين . ثم أعلن الكتبة قائلين بنغمة الانتصار: ها روح شرير لا يستطيع التلاميذ ولا المسيح نفسه أن يقهروه . وكان الناس يميلون للانحياز إلى جانب الكتبة فشمل ذلك الجمع روح الازدراء والاحتقار. ML 404.1
ولكن فجأة كفت تلك الاتهامات ، فلقد رؤي يسوع وتلاميذه الثلاثة يقتربون من الجمع فحدث انقلاب سريع في مشاعر الناس فنهضوا لاستقبال أولئك القادمين. إن الليلة التي قضوها في شركة مع المجد السماوي تركت آثارها على المخلص ورفاقه ، فعلى جباههم شوهد نور أوقع الرهبة في قلوب المشاهدين . فتراجع الكتبة الخائفين بينما رحب الشعب بيسوع. ML 404.2
وكأنه كان المخلص قد شاهد كل ما حدث ، فتقدم إلى منظر ذلك الصراع وثبت نظره على الكتبة قائلا لهم: “بماذا تحاورونهم؟” (مرقس 9 : 16) لكن تلك الأصوات التي كانت قبلا جريئة ومتحدية صمتت الآن. ML 404.3
وقد شمل الصمت ذلك الجمع كله. وإذا بوالد ذلك الصبي المعذب يشق لنفسه طريقا في وسط الجمع ، وإذ يسقط عند قدمي يسوع يفضي إليه بقصة اضطرابه وخيبته. ML 404.4
قال الرجل: “يا معلم، قد قدّمت إليك ابني به روح أخرس، وحيثما أدركه يمزّقه .. فقلت لتلاميذك أن يخرجوه فلم يقدروا” (مرقس 9 : 17 و 18). ML 404.5
تطلع يسوع في من حوله فرأى الجمع المندهش والكتبة المماحكين والتلاميذ المرتبكين. ورأى عدم الإيمان رابضا في كل قلب . وبصوت شاعت فيه نغمة الحزن صاح قائلا: “أيها الجيل غير المؤمن، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم؟” ثم أمر ذلك الأب المتضايق قائلاً: “قدّم ابنك إلى هنا!” (مرقس 9 : 19 ؛ لوقا 9 : 41). ML 405.1