وحالما وصلوا إلى تلك المدينة جاء الرجل الموكول إليه جمع الإيرادات للهيكل إلى بطرس وقال له: “أما يوفي معلّمكم الدرهمين؟” (متى 17 : 24). لم تكن هذه ضريبة مدنية بل كانت تبرعا دينيا يفرض على كل يهودي كل سنة إعانة للهيكل . ومن يرفض دفع هذا التبرع كان يعتبر خائنا للهيكل- كان هذا في نظر معلمي الشريعة خطية هائلة جدا. إن موقف المخلص من قوانين المعلمين وتوبيخه الصريح لمروجي التقاليد كان حجة تسند اتهامهم له بأنه يريد أن يخرب الهيكل ويبطل خدماته . وهنا وجد أعداؤه الفرصة مواتية ليلصقوا به العار ، كما وجدوا في شخص جامع جزية الهيكل حليفا نافعا. ML 409.3
رأى بطرس في سؤال جامع الجزية تلميحا يمس ولاء المسيح للهيكل ، فإذ كان بطرس يغار على كرامة سيده أجاب دون أن يستشير السيد قائلا إنه يدفع. ML 410.1
ولكن بطرس فهم غرض سائله فهما جزئيا . فقد كان بعض طبقات الشعب معفى من دفع تلك الضريبة . ففي أيام موسى عندما أفرز اللاويون لخدمة المقدس لم يعط لهم ميراث بين الشعب . قال الرب: “لم يكن للاوي قسم ولا نصيب مع إخوته. الرب هو نصيبه” (تثنية 10 : 9). وفي أيام المسيح كان الكهنة واللاويون لا يزالون معتبرين الأنبياء أيضا معفين من دفعها . إن المعلمين إذ طلبوا الجزية من يسوع أغفلوا تصريحه بأنه نبي ومعلم ، وكانوا يعاملونه كأي شخص عادي . فلو امتنع عن دفع الجزية لاعتبر ذلك في نظرهم خيانة للهيكل ، ومن الناحية الأخرى لو دفع تلك الضريبة لاعتبر ذلك تبريرا لرفضهم إياه كنبي. ML 410.2
قبل ذلك بقليل كان بطرس قد اعترف بأن يسوع هو ابن الله ، أما الآن فقد ضاعت منه فرصة كان يمكنه فيها أن يعلن الصفة الحقيقية لسيده . فإذ قال لجامع الجزية بأن يسوع سيدفع الضريبة كان في الواقع يقر الرأي الكاذب عن السيد الذي كان الكهنة والرؤساء قد أذاعوه عنه. ML 410.3
فلما دخل بطرس البيت لم يشر السيد بشيء إلى ما قد حدث ولكنه سأله بقوله: “ماذا تظن يا سمعان؟ ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية، أمن بينهم أو من الأجانب؟” فأجاب بطرس قائلاً: “من الأجانب”. فقال يسوع: “فإذا البنون أحراراً” (متى 17 : 25 و 26). عندما تفرض على شعب أية مملكة ضريبة لمعاضدة مليكهم يكون أبناء الملك أنفسهم معفين منها بالطبع . وهكذا إسرائيل كشعب الله كان المفروض فيهم أن يقدموا ما يلزم من أموال لاستمرار تلك الخدمة ، أما يسوع ابن الله فلم يكن تحت مثل ذلك الالتزام . فإذا كان الكهنة واللاويون معفين بسبب ارتباطهم بالهيكل فكم بالحري ذاك الذي كان الهيكل هو بيت أبيه ! ML 410.4
ولو كان يسوع قد دفع الضريبة بدون اعتراض لكان في الواقع قد اعترف بصدق ادعاء المعلمين ، وكان بذلك قد أنكر ألوهيته . ولكن في حين رأى أنه من الصواب إجابة الطلب فقد أنكر الادعاء المبني عليه ذلك الأمر . وفي تدبير الضريبة قدم البرهان على صفته الإلهية . فقد بدا جليا أنه واحد مع الله ولذلك فهو ليس تحت التزام بدفع الضريبة كأي شخص عادي في المملكة. ML 410.5