إن ذلك الكاتب الذي سأل يسوع كان فاهما للناموس وقد أدهشته أقوال المسيح . لم يكن ينتظر منه أن يظهر مثل تلك المعرفة العميقة الصحيحة للكتب المقدسة . لقد حصل على فكرة أوسع وأشمل للمبادئ المنطوية عليها الوصايا المقدسة . فأمام الكهنة والرؤساء المجتمعين اعترف بكل أمانة بأن المسيح قدم التفسير الصحيح للشريعة قائلا: ML 572.4
“جيداً يا معلم، بالحق قلت، لأنه الله واحد وليس آخر سواه. ومحبته من كل القلب، ومن كل الفهم، ومن كل النفس، ومن كل القدرة، ومحبة القريب كالنفس، هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح” (مرقس 12 : 32، 33). ML 573.1
إن الحكمة التي أبداها المسيح في جوابه أقنعت ذلك الكاتب . لقد عرف أن الديانة اليهودية كانت منحصرة في طقوس خارجية لا في تقوى قلبية . وكان يفهم تفاهة الذبائح الطقسية وعدم نفعها ، وسفك الدم في عدم إيمان للتكفير عن الخطية ، كما بدا له أن المحبة والطاعة لله ومحبة الناس وإيثارهم أعظم قيمة من كل الطقوس . وإن الاستعداد الذي أبداه هذا الرجل وسرعة بديهته في الاعتراف بصواب محاجة المسيح ، واستجابته الأكيدة السريعة أمام الشعب كشفت عن روح تختلف اختلافا بينا عن روح الكهنة والرؤساء وقد امتلأ قلب يسوع عطفا على ذلك الكاتب الأمين الذي تجرأ على مجابهة عبوسة الكهنة وتهديدات الرؤساء فتكلم عن اقتناع قلبي “فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل، قال له: لست بعيداً عن ملكوت الله” (مرقس 12 : 34). ML 573.2
لقد كان ذلك الكاتب قريبا من ملكوت الله لكونه فهم أن أعمال البر مقبولة لدى الله أكثر من المحرقات والذبائح . ولكنه كان بحاجة إلى فهم صفة المسيح الإلهية . فبالإيمان به يستطيع أن ينال قوة لعمل البر . أما خدمة الطقوس فلم يكن لها قيمة حقيقية ما لم تتحد بالإيمان الحي . وحتى الشريعة الأدبية تقصر عن إتمام غرضها ما لم تفهم في صلتها بالمخلص . وقد أرانا المسيح مرارا أن شريعة أبيه تشتمل على ما هو أعمق من مجرد الأوامر الجازمة ، كما اشتمل الناموس على نفس المبدإ المعلن في الإنجيل . إن الناموس يري الإنسان واجبه كما يريه أيضا ذنبه . وعليه أن يلتفت إلى المسيح في طلب الغفران والقوة على إكمال مطاليب الناموس. ML 573.3