إن كلام المسيح الذي نطق به في مسامع الكهنة والرؤساء حين قال لهم: “هوذا بيتكم يترك لكم خراباً” (متى 23 : 38) ملأ قلوبهم رعبا وهلعا . لقد تظاهروا بعدم الاكتراث ، إلا أن هذا السؤال ظل يتردد في أذهانهم وهو: “يا ترى ما معنى هذا الكلام وما فحواه؟” لقد بدا خطرا خفيا يتهددهم . فهل من الممكن أن الهيكل الفخم الذي هو مجد الأمة وفخرها يوشك أن يصير خرابا يبابا ؟ كان التلاميذ متطيرين ومتشائمين كذلك ، وكانوا ينتظرون بجزع أن يدلي إليهم يسوع ببعض البيانات الهامة فإذ كانوا خارجين معه من الهيكل وجهوا التفاته إلى متانة بناءه وجماله . لقد كانت حجارة الهيكل من أنقى أنواع الرخام الناصح البياض بعضها هائل الحجم . وقد صمد جزء من السور أمام حصار نبوخدنصر . وبدا في بنيانه القوي المتين كما لو كان حجرا واحدا مقطوعا من المحجر . ولم يكن التلاميذ يفهمون كيف يمكن أن تلك الجدران الهائلة المتينة تنهدم ؟ ML 594.1
عندما وَجه التلاميذ انتباه السيد إلى فخامة الهيكل فما كان أعمق الأفكار التي خطرت لذلك المرذول المرفوض ! نعم إن المنظر الذي كان أمامه غاية في الجمال ، ولكنه قال بحزن: إني أرى كل شيء . نعم إن المباني مدهشة حقا ، وأنتم تشيرون إلى هذه الجدران كأنها لا يمكن أن تنهدم ولكن أصغوا إلى ما أقوله لكم . إنه سيأتي يوم فيه “لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض!” (متى 24 : 2). ML 594.2
نطق المسيح بهذا الكلام على مسامع جمع غفير من الناس . ولكن عندما انفرد بتلاميذه سأله بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس فيها كان جالسا على جبل الزيتون قائلين: “قل لنا متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟” (متى 24 : 2). ولكنه لم يجب تلاميذه بتفصيل عن حوادث خراب أورشليم ويوم مجيئه العظيم كلا على حدة ، ولكنه دمج بين ذينك الحادثين . فلو أنه كشف لتلاميذه عن تلك الحوادث المستقبلة كما قد رآها هو لما استطاعوا احتمال المنظر . فرحمة بهم دمج بين الأزمتين تاركا للتلاميذ المجال ليدرسوا المعنى لأنفسهم . وعندما أشار إلى خراب أورشليم تجاوزت أقواله النبوية تلك الحادثة إلى الحريق الهائل في ذلك اليوم الذي فيه يخرج الرب من مكانه ليعاقب العالم على آثامه عندما تكشف الأرض دماءها ولا تغطي قتلاها بعد . وقد قدم هذا الحديث كله ليس للتلاميذ وحدهم ولكن لمن سيعيشون في آخر مشاهد تاريخ هذه الأرض. ML 594.3