أورد الرسول بولس بوضوح ما ينبغي أن يكون موقف المؤمنين من السلطات المدنية : ” اخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب. ان كان للملك فكمن هو فوق الكل. أو للولاة فكمرسلين منه للإنتقام من فاعلي الشر وللمدح لفاعلي الخير. لأن هكذا هي مشيئة الله أن تفعلوا الخير فتسكتوا جهالة الناس الأغبياء. كأحرار وليس كالذين الحرية عندهم سترة للشر بل كعبيد الله. اكرموا الجميع. احبوا الإخوة. خافوا الله. اكرموا الملك “ ( 1 بطرس 2 : 13 — 17 ). CCA 683.1
لقد أقيم علينا حكام ووضعت قوانين لحكم الناس, التي لولاها كانت حالة العالم أردا مما هي عليه الآن. بعض هذه القوانين صالحة, وبعضها رديئة, والرديئة في إزدياد ولا بد لنا مع ذلك من مواجهة الصعاب, غير أن الله سيسند شعبه بجعلهم ثابتين, يحيون وفقا لمباديء كلمته. CCA 683.2
رأيت أن الواجب يقتضينا في كل حالة أن نطيع قوانين بلادنا, إلا إذا كانت تتعارض والشريعة الأسمى التي تكلم بها الله بصوت مسموع من سيناء, ونقشها بعد ذلك بإصبعه في الحجر. ” اجعل نواميسي في أذهانهم واكتبها على قلوبهم وأنا أكون لهم إلها وهم يكونون لي شعبا “ فمن كان ناموس الله مكتوبا في قلبه فهو يطيع الله لا الناس, ولا يتردد في أن يعصي كل الناس دون أن ينحرف أقل انحراف عن وصية الله. ان شعب الله, إذ هم متعلمون بوحي الحق ومقودون بالضمير الصالح ليحيوا بكل كلمة من الله, سيتخذون ناموس الله المكتوب على قلوبهم كالسلطة الوحيدة التي يقدرون أن يقبلوها أو يرتضوا اطاعتها. إن حكمة ناموس الله وسلطانه هما ساميان فائقان. CCA 683.3
إن الحكومة التي عاش يسوع في طلها كانت فاسدة وجائرة, ففي كل مكان انتشر سوء المعاملة الصارخ والإغتصاب والتعصب والقسوة الساحقة, غير أن المخلص لم يحاول مع ذلك القيام بأي إصلاح مدني, ولم يهاجم سوء المعاملة القومية, ولا دان العداء القوميين, ولم يتدخل في سلطة ذوي السلطان أو سياستهم, فذاك الذي هو مثلنا الأعلى ترفَّع عن التدخل في شؤون الحكومات الأرضية. CCA 684.1
لقد سئل المسيح مرارا وتكرارا أن يحكم في بعض المسائل القانونية والسياسية غير أنه كان يرفض التدخل في الأمور الزمنية. إن المسيح قد وقف في عالمنا كرأس المملكة الروحية العظيمة التي جاء إلى عالمنا ليقيمها, التي هي مملكة البر. وأوضحت تعاليمه المباديء المشِّرفة المقدسة التي سادت هذه المملكة. وأظهر أن العدالة والرحمة والمحبة هي القوى المسيطرة في مملكة الرب. CCA 684.2
جاء إليه الجواسيس, وبإخلاص ريائي, كأنما يرغبون في معرفة واجبهم قالوا له. ” يا معلم نعلم أنك بالإستقامة تتكلم وتعلم ولا تقبل الوجوه بل الحق بالحق تعلم طريق الله. أيجوز لنا أن نعطي جزية لقيصر أم لا “ ؟ CCA 685.1
ولم يكن جواب المسيح تملصا, بل كان جوابا صريحا على سؤالهم, فإذ أمسك بيده تلك القطعة من نقود الرومانية التي كان مطبوعا عليها اسم القيصر وصورته أعلن أنه حيث أنهم عائشون تحت حماية القوة الرومانية فهم ملتزمون أن يقدموا لتلك السلطة المعونة الواجبة ما دام أن ذلك لا يتعارض مع واجبهم الأسمى. CCA 685.2
فلما سمع الفريسيون جواب المسيح ” تعجبوا وتركوه ومضوا “. لقد وبخ رياءهم وغطرستهم, وقرر بعمله هذا مبدأ عظيما, مبدأ يوضح حدود واجب الإنسان نحو الحكومة المدنية وواجبه نحو الله. CCA 685.3