لا يمكن العقل انسان محدود ان يدرك صفات الاله السرمدي غير المحدود أو أعماله . فنحن لا نستطيع بواسطة البحث والاستقصاء ان تكتشف الله . فبالنسبة الى أقوى العقول وأسماها تهذيبا ، كما بالنسبة الى أضعف العقول وأشدها جهلا فأنه ذلك الكائن القدوس يجب أن يظل ملتحقا بالسرية . ولكن مع أن ” السحاب والضباب حوله ” فأن ” العدل والحق قاعدة كرسيه ” ( مزمور ۹۷ : ۲ ) . فیمكننا حتی الان ان ندرك معاملته معنا بحيث نفهم الرحمة غير المحدودة متحدة ومرتبطة بالقوة السرمدية . ونستطيع ان نفهم من مقاصده قدر ما نستطيع أن نستوعبه . وأبعد من هذا يمكننا أن نظل واثقين بتلك اليد القادرة على كل شيء والقلب المفعم بالمحبة Tr 199.1
ان كلمة الله , مثلها كمثل منشتها ومبدعها تقدم أسرارا لا یمكن الخلائق المحدودة أن تدرکها أدراکا كاملا . ولکن الله اودع في الكتب المقدسة البرهان الكافي على أن الله مصدرها . فوجوده وصفاته وصدق كلمته ثابتة بموجب الشهادة التي تقرع أبواب عقولنا وهي شهادة متعددة ووافرة . نعم انه لم یستبعد امكانیه الشك ، وان الایمان یجب ان یبنی علی البرهان لا علی المظاهر ، فالدین یریدون ان یتشككوا لديهم الفرصة لذلك ، أما من يريدون أن يعرفوا الحق فيجدون أساسا راسخا لايمانهم Tr 199.2
ولا يوجد سبب يدعونا للشك في كلمة الله لكوننا لا ندرك اسرار عنایته : اننا فی العالم الطبیعی محاطون علی الدوام بعجائب فوق ادراكنا . اذاً فهل نندهش عندما نجد في العالم الروحي ايضا أسرارا لا نستطيع ان نسبر غورها ؟ ان الصعوبة کلها تكمن فی ضعف عقل الانسان وضیقه Tr 200.1
وأسرار الكتاب المقدس التي هي أسمی وابعد من ان تتطاول الحجج المضادة لها للنيل منها هي من أقوى البراهین علی انه موحی به من الله . فاذا کان البیان اللی یورده عن الله مما یمكننا أن ندرکه ، و اذا أمكن للعقول المحدودة أن تفهم عظمته وجلاله فان الكتاب المقدس لا يمكن أن يحمل البراهين ، التي لا تخطئ ، على مصدره الالهي كما هو الحال الآن . ان عظمة مواضيعه وابحاثه يجب ان تلهمنا الایمان بأنه کلمة الله Tr 200.2
والكتاب المقدس يفصَّل لنا الحق ببساطة ومطابقة لحاجات واشواق القلب البشري أذهلتا وسحرتا أسمى العقول تهذيبا ، في حين انه بالنسبة إلى الوضعاء وغير المتعلمين يوضح لهم طريق الحياة : « من سلك في الطريق حتی الجهال لا یضل » ( اشعیاء ه ۳ : ۸ ) . لا حاجة بأي طفل أن يخطىء الطريق . ولا حاجة بأي طالب مرتعب أن يفشل في السير في النور الطاهر المقدس . ومع ذلك فالحقائق الواردة بكل بساطة تتناول وتقدم ابحاثا سامية وبعيدة المدى وفوق مقدرة الادارك البشري بما لا يقاس أسرار هي استتار مجده - أسرار تقهر العقل في بحثه ـ في حين أنها تلهم طالب الحق المخلص بالوقار والأيمان . وكلما فتشنا الکتاب المقدس ازددنا اقتناعا عمیقا بأنه کلام الله الحي فينحني العقل البشري خشوعا أمام جلال الإعلان الإلهي Tr 200.3
أن الله یقصد أن تنکشف حقائق کلمته دائما لن يغتشها بغيرة . ففي حين أن « السرائر للرب الهنا » فان « المعلنات لنا و لبنینا» ( تثنیه ۲۹ : ۲۹ ) . أن فکرة کون بعض أجزاء الکتاب لا یمکن فهمها أدت إلي إهمال بعض حقائقه ذات الأهمية البالغة . أن حقيقة كون أسرار الكتاب المقدس ليست كذلك لان الله قصد أن يخفي الحق بل لان ضعفنا أو جهلنا يجعلنا عاجزين عن أدراك الحق أو تخصیصه لنفوسنا - هذه الحقیقة تحتاج إلي تأکیدها والاکثار من تکرارھا ۔ فالحصر او القصور لیس فی قصدہ بل في مقدرتنا . أن الله يقصد اننا نفهم من أجزاء الكتاب تلك التي غالبا ما نغفلها على انها مما يستحيل علينا فهمه ، أن نفهم قدر ما تستطیع عقولنا أن تقبله . “کل الکتاب هو موحی به من الله “لکی یکون کل منا « متأهبا لکل عمل صالح » ( ۲ تیموثاوس ۳ : ۱۹ و ۱۷ ) Tr 201.1
من المستحيل على أي عقل بشري أن يستنفد حقا. واحدا او حتی و عدا واحد امن الکتاب . فإن واحدا یدرك المجد من وجهة نظر خاصة ، بینما آخر يدرکه من وجهة أخرى . ومع ذلك فنحن لا نستطيع أن ندرك غير لمحات بسيطة. أما اللمعان أو التألق الكامل فهو ابعد من أن نراه بعیوننا Tr 202.1
وعندما نتأمل في عظائم كلمة الله فأننا ننظر الى نبع يزيد - اتساعا وعمقا أمام أبصارنا . فاتساعه وعمقه يفوقان ادراكنا ومعرفتنا . وعندما نحدق النظر تتسع الرؤيا ، واذ تنبسط أمامنا نرى بحرا لا حدود له ولا شواطئ هذه الدراسة لها قوة منبسطة . فالعقل والقلب يكتسبان قوة جديدة وحياة جديدة Tr 202.2
هذا الاختبار هو اسمی برهان علی أن الله هو مبدع الكتاب . أننا نقبل كلمة الله كغذاء للنفس بنفس البرهان الذي به نتناول الطعام كغذاء للجسد . فالخبز يسد حاجة طبيعتنا ، فنحن نعلم بالاختبار بأنه يولد الدم والعظم والمخ.. طبق نفس الاختبار علی الکتاب ، فعندما تصیر مبادئه بالفعل هي عناصر الخلق فماذا تكون النتيجة ؟ وما هي التغييرات التي حدثت في الحياة ؟ الأشياء العتيقة قد مضت . هو ذا الکل قد صار جدیدا » ( ۲ کور نثوس 5: 17قوته حطم الرجال والنساء قيود العادات الآثمة. Tr 202.3
و قد نبذوا الأثرة . والفاسدون صاروا ورعین والسکیرون أصبحوا صاحين ، والخلعاء صاروا اطهارا . والنفوس التي كانت تحمل صورة الشيطان تغيرت أنى صورة الله فهذا التغيير هو نفسه معجزة المعجزات. فالتغییر الذي يحدث بواسطة الكلمة هو من أعمق أسرار الكلمة . نحن لا نستطیع ادراکه ، أنما نستطیع فقط ان نؤمن کما هو معلن فی الکتاب ان : « المسيح فیکم رجاء الجد » ( کولوسی 1 : 27 ) Tr 202.4
ومعرفة هذا السر تقدم مفتاحا لمعرفة كل سر آخر ، وهی تفتح للنفس کنوز الکون وأمکانیات للنضوج غیر المحدود Tr 203.1
وهذا النضوج یمکن اکتسابه حین یکشف لنا باستمرار عن صفات الله - مجد وسر الكلمة المكتوبة . فلو أمكن لنا ان نصل الى معرفة كاملة الله ولكلمته فلن يبقى لنا بعد ذلك حق تكتشفه ولا معرفة أعظم و لا نمو الی ما هو ابعد . ولن یعود الله هو السید الأعظم و الاسمی والانسان یکف عن التقدم . ولکن شکرا لله فالأمر لیس کذالك. فما دام الله غیر محدود و فیه کل کنوز الحکمة فأننا سنظل مدی أجيال الأبد نفتش ونتعلم ، و مع ذلك فلن نستنفد غنی حکمته و صلاحه و قدرته Tr 203.2