Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
الأنبياء والملوك - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل العاشر— صوت التوبيخ الحاسم

    (اعتمد هذا الفصل على ما ورد في ملوك الأول 17: 8 — 24 ، 18: 1 — 19).

    ظل النبي إيليّا مختفياً في الجبال بجوار نهر كريث لبعض الوقت. وأعيل هناك لشهور طويلة بطعام جاءه بكيفية معجزية. بعد ذلك إذ طالت شهور القحط وجف النهر أمر الله خادمه بالانتقال من هناك واللجوء إلى إحدى البلاد الوثنية قائلاً: ”قم اذهب إلى صرافة التي لصيدون وأقم هناك. هوذا قد أمرت هناك امرأة أرملة أن تعولك“ (1 ملوك 17 : 9).AM 105.1

    لم تكن المرأة إسرائيلية ولم تتمتع بشيء من الامتيازات والبركات التي تمتّع بها شعب الله، إلا أنها كانت تؤمن بالإله الحقيقي وسارت بموجب النور الذي أشرق على طريقها. والآن عندما لم يبق لإيليّا أمان في أرض إسرائيل أرسله الله إلى هذه المرأة ليجد ملاذاً في بيتها.AM 105.2

    ” فقام وذهب إلى صرفة. وجاء إلى باب المدينة وإذا امرأة أرملة هناك تقشّ عيداناً. فناداها وقال هاتي لي قليل من الماء في إناء فاشرب. وفيما هي ذاهبة لتأتي به ناداها وقال هاتي لي كسرة خبز في يدك“ (1 ملوك 17 : 10 — 11).AM 105.3

    في هذا البيت الذي ضربه الفقر اشتدّت وطأة الجوع وكان الطعام القليل البسيط الذي فيه على وشك النفاذ. إن مجيء إيليّا في ذات اليوم الذي كانت تخشى فيه الأرملة الإستسلام في صراعها لأجل البقاء، كان تجربة قاسية جداُ لإيمانها بالإله الحي في تدبير إحتياجاتها. ولكن حتى في حاجتها القصوى شهدت لإيمانها بإجابة ذلك الغريب إلى طلبه إذ كان يطلب أن يقاسمها آخر كسرة خبز تمتلكها.AM 105.4

    وإجابة لطلبه للطعام والشراب قالت له: ”حي هو الرب إلهك إنه ليست عندي كعكة ولكن ملء كف من الدقيق في الكوار وقليل من الزيت في الكوز وهأنذا أقش عودين لآتي وأعمله لي ولإبني لنأكله ثم نموت“ فقال لها إيليّا: ”لا تخافي أدخلي وأعملي كقولك ولكن أعملي لي منها كعكة صغيرة أولاً وأخرجي بها إلي ثم أعملي لك ولإبنك أخيراً. لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل إن كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي يعطي الرب مطراً على وجه الأرض“ (1 ملوك 17 : 12 — 14).AM 106.1

    لا يمكن أن يُطلب الإمتحان للإيمان أقسى من هذا. كانت الأرملة قد عاملت جميع الغرباء سابقاً بالرفق والسخاء. أما الآن فبغض النظر عن الآلام التي قد تحيق بها وبابنها، فإذا اتّكلت على الله لتلبية كافة احتياجاتهم قابلت أقسى امتحان لكرم الضيافة بكونها ”فعلت حسب قول إيليّا“ (عدد 15).AM 106.2

    كان الكرم الذي أظهرته هذه المرأة الفينيقية نحو نبي الله عجيباً حقاً، وقد كوفئ إيمانها وسخاؤها بكيفية عجيبة أيضاً لأنها ”أكلت هي وهو وبيتها أياماً. وكوار الدقيق لم يفرغ وكوز الزيت لم ينقص حسب قول الرب الذي تكلم به عن يد إيليّا.AM 106.3

    ” وبعد هذه الأمور مرض ابن المرأة صاحبة البيت واشتد مرضه جداُ حتى لم تبق فيه نسمة. فقالت لإيليا ما لي ولك يا رجل الله هل جئت إلي لتذكير إثمي إماتة إبني“AM 107.1

    ” فقال لها أعطيني ابنك وأخذه من حضنها وصعد به إلى العلية التي كان مقيماً بها وأضجعه على سريره. فتمدد على الولد ثلاث مرات وصرخ إلى الرب .. فسمع الرب لصوت إيليّا فرجعت نفس الولد إلى جوفه فعاش.AM 107.2

    ” فأخذ إيليّا الولد ونزل به من العليّة إلى البيت ودفعه لأمه. وقال إيليّا انظري ابنك حي. فقالت المرأة إيليّا هذا الوقت علمت أنك رجل الله وأن كلام الله في فمك حق“ (1 ملوك 17 : 15 — 24).AM 107.3

    لقد سمحت إمرأة صرفة لإيليا بمقاسمتها كسرة الخبز التي عندها، وفي مقابل ذلك حفظت حياتها وحياة ابنها. وكل من يقدمون عطفاً ومساعدة لمن هم أشد عوزاً منهم في وقت التجربة والعوز قد وعدهم الله ببركة عظيمة. وهو اليوم كما كان بالأمس ولم يتغيّر. وقوّته الآن ليست أقل مما كانت في أيام إيليّا. ووعد الله الآن أكيد كما كان عندما نطق به المخلّص قائلاً: ”من يقبل نبياً فأجر نبي يأخذ“ (متى 10 : 41).AM 107.4

    ”لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون“ (عبرانيين 13 : 2). هذا القوم لم يفقد شيئاً من قوّته بمرور الزمن. إن أبانا السماوي ما زال يقدّم لأولاده فرصاَ هي بركات مقنعة وكل من يحسنون استخدامها ينالون فرحاً عظيماً: ”إن .. أنفقت نفسك للجائع وأشبعت النفس الذليلة يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر. ويقودك الرب على الدوام ويشبع في الجدوب نفسك وينشط عظامك فتصير كجنة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه“ (إشعياء 58 : 10 ، 11).AM 107.5

    يقول المسيح لخدّامه الأمناء اليوم: ”من يقبلكم يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني“ (متى 10 : 40). لا يمكن أن يقدم عملاً من أعمال الشفقة باسمه إلا ويعترف به ويكافئ عليه. وبنفس الاعتراف الرقيق يشمل المسيح حتى أضعف وأحقر أفراد أسرة الله. فيقول: ”ومن سقى أخذ هؤلاء الصغار“ — أولئك الذين يشبهون الصغار في إيمانهم ومعرفتهم للمسيح ”كأس ماء بارد فقط باسم تلميذ فالحق أقول لكم أنه لا يضيع أجره“.AM 108.1

    كان إيليّا مدى سنوات القحط والجوع الطويلة يصلّي بحرارة كي ترجع قلوب بني شعبه عن الوثنية إلى ولائها لله. وظل ينتظر بصبر حين ثقلت يد الرب عن تلك الأرض المضروبة بالجوع. فإذ رأى دلائل الألم والعوز تتكاثر من كل جانب، اعتصر الحزن قلبه وتاق إلى قوة يقوم بها بإصلاح عاجل. ولكن الله نفسه كان ينفذ خطته، وكل ما كان على خادمه أن يفعله هو المداومة على الصلاة بإيمان وانتظار الوقت الذي يقوم فيه (الرب) بعمل حاسم.AM 108.2

    كان الارتداد الذي تفشّى في عهد آخاب ارتكاب الشعب شروراً كثيرة خلال سنوات طويلة. وظل الشعب يتباعد عن طريق الحق خطوة خطوة وعاماً بعد عام. رفض الشعب جيلاً بعد جيل أن يصنعوا لأرجلهم مسالك مستقيمة وسلّمت الغالبية العظمى من الشعب نفسها في النهاية لقيادة قوات الظلمة.AM 108.3

    كان قد مر قبل ذلك حوالي قرن من الزمن عندما اتّحد الشعب بفرح تحت حكم داود في التغني بمزامير الحمد لله العلي اعترافاُ منهم باعتمادهم التام عليه لأجل المراحم اليومية. أصغ إلى أقوال التمجيد والتعبد عندما سبّحوا قائلين:AM 108.4

    ”يا إله خلاصنا .. تجعل مطالع الصباح والمساء تبتهج. تعهّدت الأرض وجعلتها تفيض. تغنيها جداً. سواقي الله ملآنه ماء. تهيء طعامك لأنك هكذا تعدها. أرو أتلامها مهد أخاديدها. بالغيوث تحللها. تبارك غلتها. كللت السنة بجودك آثارك تقطر دسماً. تقطر مراعي البرية وتتنطق الآكام بالبهجة. اكتست المروج غنماً والأودية تتعطف براً. تهتف وأيضاً تغني“ (مزمور 65 : 5 ، 8 — 13).AM 109.1

    لقد اعترف الشعب حينئذ بأن الله هو ”المؤسس الأرض على قواعدها“. وللتعبير عن إيمانهم تغنوا قائلين: ”كسوتها الغمر كثوب. فوق الجبال تقف المياه. من انتهارك تهرب من صوت رعدك تفر. تصعد إلى الجبال تنزل إلى البقاع إلى الموضع الذي أسّسته لها. وضعت لها تخماً لا تتعداه. لا ترجع لتغطي الأرض. (مزمور 104 : 5 — 9).AM 109.2

    إن عناصر الطبيعة في الأرض والبحر والهواء محفوظة ضمن حدود لا تتعداها، بالقوة العظيمة التي للإله غير المحدود. وهو يستخدم هذه العناصر في إسعاد خلائقه. إنه ينفق ”كنزه الصالح“ بسخاء ”ليعطي مطر أرضك في حينه وليبارك كل عمل“ يدي الإنسان (تثنية 28 : 12).AM 109.3

    ”المجر عيوناُ في الأودية بين الجبال تجري. تسقي كل حيوان البر. تكسر الفراء ظمأها. فوقها طيور السماء تسكن من بين الأغصان تسمع صوتاً .. المنبت عشباً للبهائم وخضرة لخدمة الإنسان لإخراج خبز من الأرض وخمر تفرح قلب الإنسان لإلماع وجهه أكثر من الزيت وخبز يسند قلب الإنسان ..AM 109.4

    ”ما أعظم أعمالك يا رب كلها بحكمة صنعت. ملآنة الأرض من غناك. هذا البحر الكبير الواسع الأطراف هناك دبابات بلا عد صغار حيوان من كبار .. كلها إياك تترجى لترزقها قوتها في حينه تعطيها فتلتقط. تفتح يدك فتشبع خيراً“ (مزمور 10 : 10 — 15، 24-28).AM 109.5

    كانت لدى شعب الله فرص كثيرة للفرح. فالأرض التي أتى بهم الرب إليها كانت تفيض لبناً وعسلاً. وفي أثناء تيهانهم في البرية أكّد لهم الله أنه يقودهم إلى بلاد لن يعانوا فيها لعدم وجود مطر. وقال لهم ”الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلئها ليست مثل أرض مصر التي خرجت منها حيث كنت تزرع زرعك وتسقيه برجلك كبستان بقول. بل الأرض التي أنتم عابرون إليها كي تمتلكوها هي أرض جبال وبقاع من مطر السماء تشرب ماء. أرض يعتني بها الرب إلهك. عينا الرب إلهك عليها دائماً من أول السنة إلى آخرها“.AM 110.1

    إلا أن الوعد بوفرة المطر الغزير أُعطي على شرط الطاعة. فقد أعلن الرب قائلاً: ”فإذا سمعتم لوصاياي التي أنا أوصيكم بها اليوم لتحبوا الرب إلهكم وتعبدوه من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم أعطى مطر أرضكم في حينه المبكر والمتأخر. فتجمع حنطك وخمرك وزيتك. وأعطى لهائمك عشباُ في حقلك فتأكل أنت وتشبع“.AM 110.2

    وقد أوصاهم الرب قائلاً: ”فاحترزوا من أن تنغوي قلوبكم فتزيغوا وتعبدوا آلهة أخرى وتسجدوا لها فيحمى غضب الرب عليكم ويغلق السماء فلا يكون مطر ولا تعطي الأرض غلتها فتبيدون سريعاً عن الأرض الجيدة التي يعطيكم الرب“ (تثنية 11 : 10 — 17).AM 110.3

    وقد أنذر الرب شعبه بقوله ”إن لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه وفرائضه .. تكون سماؤك التي فوق رأسك نحاساً والأرض التي تحتك حديداً ويجعل الرب مطر أرضك غباراً وتراباً ينزل عليك من السماء حتى تهلك“ (تثنية 28 : 15، 23، 24).AM 110.4

    وكان ضمن الوصايا الحكيمة التي قدمها الرب للشعب قديماً هذه الأقوال: ”ضعوا كلماتي هذه على قلوبكم ونفوسكم واربطوها علامة على أيديكم ولتكن عصائب بين عيونكم. وعلّموها لأولادكم متكلمين بها حين تجلسون في بيوتكم وحين تمشون في الطريق وحين تنامون وحين تقومون“ (تثنية 11 : 18، 19). كانت هذه الأوامر واضحة صريحة، ومع ذلك فمع تتابع القرون وإذ مر جيل غابت عن أذهان الناس الشروط المقدمة لأجل نجاحهم الروحي. وقد هددت قوى الارتداد المدمرة باكتساح كل حواجز النعمة الإلهية.AM 111.1

    ولذلك افتقد الله شعبه الآن بأقسى أحكامه وتأديبه إذ تمّت نبوة إيليّا إتماماً رهيباً. ولمدى ثلاث سنوات كان الناس يبحثون عن رسول الويل والشقاء في مدينة بعد أخرى وأمة بعد أمة. وبناء على طلب آخاب أقسم كثيرون من الحكام بشرف أن ذلك النبي الغريب لا وجود له في بلادهم. ومع ذلك ظلّ البحث جارياً لأن إيزابل وأنبياء البعل كانوا يبغضون إيليّا بغضاً قاتلاً ولم يدّخروا جهداً في الإتيان به إلى متناول أيديهم ليتمكنوا منه. ومع ذلك فلم يكن مطر. أخيراً ”بعد أيام كثيرة“ كان كلام الرب إلى إيليّا يقول ”اذهب وتراء لآخاب فأعطي مطراً على وجه الأرض“.AM 111.2

    فامتثالاً للأمر ”ذهب إيليّا ليتراءى لآخاب“. ونحو الوقت الذي انطلق فيه النبي إلى السامرة كان آخاب قد اقترح على عوبديا، مدبّر بيته أن يفتّشا تفتيشاً دقيقاً عن جميع الينابيع وعيون الماء على أمل أن يجدوا مراعي للمواشي والقطعان الموشكة على الموت جوعاً. فحتى في بلاط الملك تألم الناس من القحط الذي طال أمده. فقد قرر الملك الذي كان مهتماً اهتماماً عظيماً بمستقبل بيته أن يشترك بنفسه من عبده (عوبديا) في البحث عن بعض الأماكن المناسبة حيث يمكن أن توجد مراعي: ”فقسما بينهما الأرض ليعبرا بها فذهب آخاب في طريق واحد وحده وذهب عوبديا في طريق آخر وحده“.AM 111.3

    ”وفيما كان عوبديا في الطريق إذ إيليّا قد لقيه فعرفه وخرّ على وجهه وقال أأنت هو سيدي إيليّا؟“.AM 112.1

    في أثناء سنّي ارتداد إسرائيل ظل عوبديا أميناً. ولم يستطع مولاه الملك أن يحوّله عن ولائه لله الحي. والآن فها هو إيليّا يكرمه بأن يرسله في مأمورية إذ قال له: ”اذهب وقل لسيّدك هوذا إيليّا“ (1 ملوك 18 : 1، 2،7،8).AM 112.2

    فصاح عوبديا يقول وهو في أشد حالات الرعب: ”ما هي خطيئتي حتى أنك تدفع عبدك ليد آخاب ليميتني؟“ فكونه يحمل رسالة كهذه إلى آخاب معناه أنه يعشق الموت الأكيد. فأوضح الأمر للنبي قائلاً: ”حي هو الرب إلهك أنه لا توجد أمة ولا مملكة لم يرسل سيدي إليها ليفتش عليك. وكانوا يقولون أنه لا يوجد وكان يستحلف المملكة والأمة أنهم لم يجدوك. والآن أنت تقول اذهب قل لسيدك هوذا إيليا. ويكون إذا انطلقت من عندك أن روح الرب يحملك إلى حيث لا أعلم فإذا أتيت وأخبرت آخاب ولم يجدك فإنه يقتلني“.AM 112.3

    وتوسّل عوبديا إلى النبي بحرارة كيلا يلح عليه. فقال: ”وأنا عبدك أخشى الرب منذ صباي. ألم أخبر سيدي بما فعلت حين قتلت إيزابل أنبياء الرب إذ خبأت من أنبياء الرب مئة رجل خمسين رجلاً في مغارة وعلتهم بخبز وماء؟ وأنت الآن تقول اذهب قل لسيدك هوذا إيليا فيقتلني“ (1 ملوك 18 : 9 — 14).AM 112.4

    فوعد إيليا عوبديا بقسم مقدس بأن ذهابه لن يكون باطلاً إذ قال له: ”حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه إني اليوم أتراءى له“. فبعد هذا التأكيد: ”ذهب عوبديا للقاء آخاب وأخبره“ (1 ملوك 18 : 15، 16).AM 113.1

    فبدهشة ممتزجة بالرعب أصغى الملك إلى الرسالة من الرجل الذي كان يخشاه ويبغضه والذي ظل وقتاً طويلاً يبحث عنه بلا كلل. كان يعلم جيداً أن إيليّا لا يخاطر بحياته لمجرد أن يقابله. فهل ممكن أن النبي مزمع أن ينطق بويل جديد على الشعب؟ وهكذا استولى الرعب على قلب الملك، وقد تذكر يربعام الذي يبست يده. ولم يسع آخاب إلا أن يطيع الأمر دون أن يتجرأ على رفع يده ضد رسول الله. وهكذا سار الملك المرتعب للقاء النبي مصحوباً بثلاثة من الجنود.AM 113.2

    ثم تقابل الملك والنبي وجهاً لوجه. ومع أن آخاب كان يحتدم غيظاً وكراهية على إيليا، إلا أنه الآن يقف أمامه مرتعباً عاجزاً. وإذ خاطب بكلماته الأولى المتلعثمة إيليّا قائلاً: ”أأنت هو مكدّر إسرائيل“ كشف في غير وعي منه عن مشاعر قلبه الداخلية. لقد علم آخاب أن السماء صارت كالنحاس بقوة كلمة الله ومع ذلك فقد حاول أن يلقي باللوم على النبي بسبب أحكام السماء التي ثقلت على الأرض.AM 113.3

    إنه لأمر طبيعي أن يحمّل فاعل الشر رسل الله مسؤولية الكوارث التي تحدث كنتيجة حتمية لارتداد الناس عن طريق البر. إن الذين يضعون أنفسهم تحت سيطرة الشيطان يعجزون عن رؤية الأمور كما يراها الله. فعندما ترتفع مرآة الحق أمام أنظارهم يغضبون من مجرّد التفكير بتوبيخ يوجه إليهم. إنهم يرفضون التوبة لأن الخطيئة أعمت أذهانهم وهم يحسّون أن خدّام الله قد انقلبوا عليهم ولذلك هم يستحقون اللوم القاسي.AM 113.4

    إذ وقف إيليّا أمام آخاب شاعراً ببرائته لم يحاول الإعتذار عن نفسه أو أن يتملّق الملك. ولا هو حاول تجنّب غضبه كونه يخبره أن أيّام القحط موشكة على الانتهاء. ولم يكن لديه أي اعتذار عمّا حدث. فهو إذ كان ساخطاً وغيوراً على كرامة الله فقد رد تهمة آخاب في وجهه قائلاً له بلا خوف أن خطاياه وخطايا آبائه هي التي جلبت هذه الكارثة الهائلة على الشعب. وقال له مؤكداً بجرأة: ”فقال لم أكدّر إسرائيل بل أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الرب وبسيرك وراء البعليم“ (1 ملوك 18 : 17، 18).AM 114.1

    الحاجة ماسة اليوم إلى صوت التوبيخ الصارم على الخطايا الشنيعة التي فصلت الناس عن الله. فالإلحاد موشك أن يصير أمراً واقعاً مألوفاً. وآلاف الناس يقولون بأفواههم أو بلسان حالهم: ”لا نريد أن هذا الملك علينا“ (لوقا 19 : 14). ولم تعد العظات التي تُلقى كثيراً من على المنابر والتي تحتوي على كلمات ناعمة، تحدث أثراً دائماً في النفوس. ولم يعد البوق يعطي صوتاُ واضحاُ. والناس لم تعد تتأثر قلوبهم بواسطة حقائق كلمة الله الواضحة القاطعة.AM 114.2

    يوجد كثيرين من المعترفين بالمسيحية الذين لو عبّروا عن مشاعرهم الحقيقية لقالوا: ما الحاجة إلى الكلام بمثل هذه الصراحة؟ ويمكنهم أن يسألوا كذلك: ما الذي دفع يوحنا المعمدان ليقول للفريسيين: ”يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي“ (لوقا 3 : 7). ولماذا لزم أن يثير ثائرة غضب هيرودا بقوله لهيردوس أنه لا يحل له أن يعيش مع امرأة أخيه؟ لقد فقد يوحنا المعمدان، سابق المسيح، حياته بهذا الكلام الصريح. فلماذا لم يتابع مسيرة حياته بحيث لا يجلب على نفسه سخط ذينك اللذين عاشا في الخطيئة؟AM 114.3

    بهذا النمط تجادل من كان يجب أن يقفوا حراساُ أمناء على شريعة الله حتى احتلّت السياسة مكان الأمانة واستمرت الخطيئة سافرة دون أن يوبّخها أحد. متى يسمع صوت التوبيخ الصادق في الكنيسة مرة أخرى؟AM 115.1

    ”أنت هو الرجل“ (2 صموئيل 12 : 7). كلام في منتهى الوضوح والصراحة خاطب به ناثان داود قلما يُسمع اليوم من على المنابر بل قلما يقرأ في الصحف أو في الكتب. ولولا ندرته لرأينا الكثير من براهين قدرة الله الظاهرة بين الناس. ينبغي ألا يشتكي رسل الرب قائلين إن جهودهم هي بلا ثمر، وحتى يتوبوا عن خطيئتهم التي هي محبة مدح الناس واستحسانهم ورغبتهم في إرضائهم الأمر الذي يؤدي بهم إلى كتمان الحق.AM 115.2

    أما الخادمون الذين دأبهم إرضاء الناس، الذين يصيحون قائلين: سلام سلام في حين أن الله لم يتكلم بالسلام، فيحسن بهم أن يتذللوا أمام الله طالبين الغفران عن عدم إخلاصهم وانعدام الشجاعة الأدبية من قلوبهم. إنهم يجعلون الرسالة المسلّمة إليهم ناعمة، لا لأنهم يحبون أقرباءهم، بل لأنهم منغمسون في الملذات ومحبون للراحة. المحبة الحقيقية هي التي تطلب أولاً مجد الله وخلاص النفوس. الذين عندهم هذه المحبة لم يتنحوا عن الحق لتجنيب أنفسهم النتائج المحزنة لصراحتهم. وعندما تكون النفوس في خطر فخدّام الله لا يهتمون بذواتهم بل يتكلمون بالكلمة المعطاة لهم ليبلغوها للناس ويرفضون الاعتذار عن الشر أو التهوين من خطره.AM 115.3

    ليت كل خادم يتحقق من قدسية وظيفته وقداسة عمله ويبدي شجاعة كالتي أبداها إيليّا! فالخدم باعتبارهم رسلاً معينين من قبل الله هم في مركز ينطوي على مسؤولية خطيرة. عليهم أن ”يوبخوا وينتهروا ويعظوا بكل أناة وتعليم“ (2 تيموثاوس 4 : 2). وأن يخدموا كوكلاء سرائر السماء كنواب عن المسيح فيشجعون المطيعين وينذرون العصاه ولا يقيمون وزناً للسياسة الدنيوية. وينبغي لهم ألا ينحرفوا عن الطريق الذي أمرهم يسوع بالسير فيه. وأن يتقدموا إلى الأمام بإيمان متذكرين أنهم محاطون بسحابة من الشهود. وألا ينطقوا بكلامهم بل بالكلام الذي يأمرهم ذاك الذي هو أعظم من ملوك الأرض. وأن تكون رسالتهم: ”هكذا قال الرب“. إن الله يطلب رجالاً كإيليّا وناثان ويوحنا المعمدان — رجالاً يحملون رسالته بأمانة بغض النظر عن النتائج، رجالاً يقولون الحق بشجاعة حتى لو أدى بهم ذلك إلى التضحية بكل ما يملكون.AM 116.1

    لا يمكن لله أن يستخدم الذين يخافون من الثبات إلى جانب الحق في وقت الخطر، عندما يحتاج الأمر إلى قوة الجميع وشجاعتهم وتأثيرهم. أنه يطلب رجالاً يحاربون بأمانة ضد الخطأ والضلال، وضد الرؤساء والسلاطين وولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، ضد أجناد الشر الروحية في السماويات. لمثل هؤلاء سيقول: ”نعما أيها العبد الطالح والأمين .. ادخل إلى فرح سيّدك“ (متى 25 : 23).AM 116.2

    * * * * *

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents