القسم (8) - المـعــَـلـّم المسـَـاعِـد
الإعـْــدَاد
أن أول معلم للطفل هي امه . ففي الفترة التي يكون فیها سریع التأثر جدا و سریع النمو تکون تربیته بین یدیهاِ الی حد کبیر . فلها تعطی اولا الفرصة لتشکیل خلقه أن للخير أو للشر . ويجب عليها أن تدرك قيمة فرصتها ، ويجب عليها أن تكون مؤهلة لاستخدامها احسن استخدام ولا فضل نتیجة اکثر من أي معلم آخر . ولکن تعلیمها وتربيتها قلما يلتفت اليهما دون أي شيء آخر. فتلك التي تربیتها هی اکثر فاعلیة و ابعد مدی لا یَبذل الا اقل مجهود منظم لمساعدتهاTr 322.1
أن الذين يوكل اليهم أمر العناية بالطفل الصغير في اغلب الاحيان يجهلون حاجاته الجسدية ، فهم لا يعرفون الا القليل من قوانين الصحة أو مبادىء النمو . وكذلك غير مؤهلين أهلية افضل للعناية بنموه العقلي والروحي . قد يكونون مؤهلين لادارة عمل أو ليعملوا في المجتمع ، ربما يكونون قد بلغوا شأوا عظيما في تحصيل العلوم والآداب ” يمدحون عليه . أما في تربية الاطفال فلا يعرفون سوى القليل . فبسبب هذا النقص ، وعلى الخصوص بسبب أهمال النمو الجسماني منذ الصغر تموت نسبة كبيرة من الجنس البشري فی الطفولة . و کثیرون ممن یعیشون الی سن البلوغ تمسي الحياة عبئا ثقيلا عليهم Tr 322.2
فعلی الاب کما علی الام تقع مسؤولیة تربیة الطفل فيسني حياته الاولى و كذلك تربيته بعد ذلك ، و لذلك فمن الزم الامور الکلیهما ان یعدا نفسیهما لذلك اعدادا کاملا وحريصا . فقبلما يتخذ الرجال والنساء علی انفسهم امکانیه صيرورتهم آباء وامهات یجب علیهم أن یَلموا بقوانین النمو والتطور الجسمانی وبالفیسیولوجیا وعلم الصحة و باتجاه المؤثرات الوالدية وقوانين الوراثة وحفظ۔ الصحة و اللبس و التمرين الرياضي و معالجة المرض , كما يجب عليهم أن يفهموا قوانين النمو العقلي والتربية الادبيةTr 323.1
ان الاله السرمدي اعتبر عملية التربية هامة جدا بحيث ارسل من أمام عرشه رسلا الي امرأة كانت موشكة أن تصير أماً للاجابة عن هذا السؤال : ” ماذا یکون حکم الصبي و معاملته ” ؟ ( قضاة ۱۳ : ۱۲ ) ، ولیعلموا ویرشدوا اباً عن تربیة ابن موعود بـه Tr 323.2
ولن يمكن للتربية ان تحقق كل ما يمكن ويجب تحقيقه ما لم يعترف بعمل الوالدين اعترافا كاملا وما لم يتلقيا تدريبا علي القيام بمسؤولياتهما المقدسة Tr 323.3
أن ضرورة التربية الاعدادية للمعلم هي امر مسلـّم به من الجميع ولكن قليلون هم الذين يعرفون صفة الاعداد الالزم من غيره . فالذي يقدر المسؤولية المتضمنة في تربية الشباب سیعرف ان تعلیم المواد العلمیه والادبیه فقط لا يكفي . فيجب أن يكون للمعلم تربية اشمل واكمل مما یمکن ان یحصل علیه من دراسته الکتب . فضلا عن قوة العقل يجب أن تكون عنده سلامة في العقل ، وفضلا عن کونه مکتمل النفسیة یجب ان یکون کبیر القلبTr 324.1
أن ذاك الذي خلق العقل ورسم قوانينه هو وحده الذي يستطيع ان يدرك حاجاته وتطوره المباشر ادراكا كاملا . فمبادئ التربية التي قد اعطاها هي المرشد الامين الوحيد . والمؤهل اللازم لكل معلم هو معرفة هذه المبادىء وقبولها القبول الذي يجعلها القوة المسيطرة على حياتهTr 324.2
والاختبار في الحياة العملية امر لا غنى عنه . أن النظام والاتقان والمثابرة وضبط النفس والطبع المتألق المبتهج واعتدال المزاج والتضحية والاستقامة واللطف هذه جميعها مؤهلات لازمةTr 324.3
فبسبب وجود الشيء الكثيرمن الخلق الرخيص التافه ، و کثیر من الزیف حول الشباب توجد حاجه اشد الی ضرورة کون کلام العلم و موقفه و سلوکه یمثل ویصور ما هو سامٍ و أصيل أن الاولاد سرعان ما یکتشفون التصنع او اي ضعف أو نقص آخر أن المعلم لا يمكنه أن يظفر باحترام تلامیذه بطریقة اخری غیر کونه یعلن في خلقه المبادىء التي يحاول أن يعلمهم اياها . فبقدر ما يفعل هذا فی معاشرته لهم کل یوم بیستطیع أن یکون له علیهم تأثير دائم للخیرTr 324.4
أن المعلم معتمد في كل مؤهل آخر تقريبا يساعد على نجاحه -- معتمد بدرجة كبيرة على نشاطه الجسماني . فکلما کانت صحته احسن کلما کان عمله أفضل Tr 325.1
ثم أن مسؤولياته مرهقة جدا بحيث ” يطلب منه أن بذل جهدا خاصا لیحتفظ بنشاطه و نضارته . فکثرا ما يصیر مضمنی القلب و مجهد العقل و هو یکاد یمیل الی الهبوط أو البرود أو الاهتیاج . فواجبه لیس فقط أن يقاوم مثل هذه الحالات بل أن يتجنب مسبباتها . هو بحاجة الى حفظ قلبه طاهرا وفرحا وواثقا وعطوفا . ولكي یکون دائما ثابتا وهادئا و مبتهجا علیه أن یحتفظ بقوة عقله و اعصابهTr 325.2
وحيث أن المعول عليه في عمله هو النوعية أكثر من الکمیة : فعلیه الا یرهقی نفسه فی العمل -- لیحترس من محاولة عمل شيء أكثر مما يلزم في نوع عمله ، ومن قبول مسؤوليات أخرى لا تؤهله لعمله ، ومن الاشتراك في الملاهي والمسرات الاجتماعية التي تسبب له الارهاق لا العافية ولا الشفاء Tr 325.3
ان التمرين في الخلاء خصوصا في العمل النافع هو من أفضل عوامل التسلية للجسم والعقل . وان مثال المعلم سيلهم تلاميذه بالاهتمام بالعمل اليدوي واحترامـــه وفی کل عمل یجب علی العلم ان یلاحظ مبادئ الصحة بكل دقة ويحافظ عليها . وعليه ان يفعل هذا ليس فقط بسبب علاقته بنفعه وخدمته بل أيضا بسبب تأثيره على تلامیذه . فیجب ان یکون متعففا فی کل شیء ، فی الاكل واللبس والشغل والتسلية ، في كل هذه يجب أن يكون مثالا یحتذیTr 325.4
ثم يجب أن ترتبط بصحة البدن واستقامة الخلق مؤهلات علمية سامية . فكلما زاد المعلم من المعرفة الصحیحة کلما حسن عمله . ان الفصل المدرسی لیسں للعمل السطحي . فالمعلم الذي يقنع بالمعرفة السطحية لن يبلغ درجة سامية من الكفاءة Tr 326.1
ولکن نفع العلم لا یتوقف بالاکثر علی کمیة حصیلته من العلوم فعلا بل على المثال الذي يهدف اليه . فالمعلم الامين لا يقنع بالافكار السخية أو العقل الخامل أو الذاكرة التی لا تعی شیئا . فھو یحاول دائما اکتساب معلومات اسمی واسالیب افضل. فحیاته های حیاة النمو المطرد . ففي عمل مثل هذا المعلم توجد جدة وطرافة وقوة محيية ومنعشة توقظ تلاميذه وتلهمهمTr 326.2
ويجب أن يكون المعلم حائزا على المهارة لاداء عمله . فیجب أن تکون عنده الحكمة واللباقة اللازمان في تعامله مع العقول . ومهما تكن معرفته العلمية عظيمة ومهما تكن مؤهلاته في أشياء أخرى فائقة ، فما لم يظفر باحترام تلاميذه وثقتهم فان جهوده تذهب عبثاTr 326.3
هناك حاجة الى المعلمين الذين یسرعون في کل فرصة لعمل الخير واستخدامها حسنا ، الذين يمزجون الحماس بالعظمة الحقة، القادرین علی ان یحكموا والذین هم ” اكفاء ان يعملوا ” ، الذين يستطيعون أن يلهموا الفكر ويوقظوا النشاط ويمنحوا الشجاعة والحياة Tr 327.1
ان میزات العلم قد تکون محدودة بحیث لا تکون عنده مؤهلات ادبية سامية قدر ما هو مرغوب فيه ، ومع هذا فان كان حقا بصيرا بالطبيعة البشرية وكان يحب عمله محبة حقيقية وعنده تقدير لجسامته وعزم على التحسن ، واذا كان راغبا في ان يخدم بغيرة ومثابرة فسيدرك حاجات تلاميذه وبروحه العطوف التقدمي سيلهمهم بان يتبعوه اذ یحاول ان یقودهم الى الامام والی فوق Tr 327.2
أن الاطفال والشباب الذين هم تحت رعاية المعلم يختلف بعضهم عن بعض في الامزجة والعادات والتربية . فالبعض منهم لا يوجد عندهم قصد معين او مبادئ ثابتة. وهم بحاجة الى ایقاظهم لمعرفة مسؤولیاتهم وامكانیاتهم . و قلیلون من الاولاد هم الذین تربوا تربیة صالحة فی البیت. و بعضهم کانوا مدلین فی بیوتهم . وکل تربیتهم کانت سطحية فاذ سمح لهم باتباع أميالهم ورفض المسؤولية وحمل الاعباء فهم مفتقرون الى الثبات والرسوخ والمثابرة وانكار الذات . هؤلاء کثیرا ما یعتبرون کل تدریب رادعا لا لزوم له آخرون صكت أسماعهم أقوال الذم والتقریع فثبطت هممهم . فالردع التعسفي والنظافة ربت فيهم روح العناد والتحدي .. فاذا کان لا بد من أعادة تشكیل هذه الاخلاق المشوهة فالذي يقوم بهذا العمل هو المعلم في غالب الاحيان . فلكي يقوم بهذا العمل بنجاح يجب أن یکون عنده عطف وبصيرة یقدرانه علی ان يتتبع الاخطاء والاغلاط الظاهرة في تلاميذه الى سببها . ويجب ان تكون عنده أيضا اللباقة والمهارة والصبر والثبات التي تساعده على ان يقدم لكل واحد العون الذي يحتاجه ـ فيقدم للمترددین ومحبي الراحة التشجیع والمساعدة اللذین یكونان حافزا له علی بذل الجهد ، وللفاشلین العطف والتقدير الذين يخلقان فيه الثقة وهكذا يلهمانه ببذل الجهدTr 327.3
ان العلمین کثیرا ما یفشلون فی تکوین علاقات اجتماعیة كافية مع تلاميذهم . انهم يبدون قدرا قليلا جدا من العطف والرقة بينما يظهرون قدرا اكثر مما يلزم من عظمة القاضي العابس المتجهم — ان المعلم في حين يجب عليه ان یکون ثابتا وحازما ینبغی الا یکون صارما او مستبدا . ان کونه قاسیا و کثیر اللوم والتوبیخ وترفعه عن تلامیذه ومعاملته ایاهم فی غیر اکتراث ، هذا کفیل بان یسد امامه السبل التي کان یمکنه بواسطتها ان یؤثر علیهم للخیرTr 328.1
ينبغي للمعلم ان لا يظهر المحاباة في أي ظرف . فكونه يحابي للتلمیذ الجذاب ویکون منتقدا وضجرا او عدیم العطف نحو من هم بحاجة الى التشجیع و العون فهذا یکشف عین سوء فهم کامل لعمله کمعلم . ففي التعامل مع المخطئين المتعبين يمتحن الخلق ويتبرهن ما اذا كان المعلم مؤهلا حقا لعمله أم لاTr 328.2
أن الذين يأخذون على انفسهم مسؤؤلية ارشاد نفس انسان علیهم تبعه عظیمه . ان الاب والام الامینین يعتبران مسؤولیتهما امانه لا یمكنهما أن یعفیا نفسیهما منها تماما. وان حیاة الطفل من اول یوم الى آخر یوم تظل تحسں بقوۃ ذلك الرباط الذي برابطه بقلب والديه . فالاعمال والاقوال و نفس نظرۃ الاب أو الام تظل دائبة علی تکوین وصوغ الطفل إن للخير او للشر . والمعلم يشترك في هذه المسؤولية ويحتاج دائما الى معرفة قدسیتها والی ان يجعل نصب عینیه دائما هدف عمله . فلیس علیه ان ینجز الواجبات اليومية و حسب او ان يرضی رؤساءه أو يحتفظ بمکانه مدرسته ، بل علیه أن یضع فی اعتباره أسمی خیر لتلاميذه كأفراد ، والواجبات التي تضعها الحياة علی كواهلهم والخدمة التي تتطلبها والاعداد المطلوب . أن العمل الذي يقوم به يوما بعد يوم سيُحدث في تلاميذه ويحدث في آخرین عن طریقهم تأثیر یظل باقیا و ممتدا ویقوی و یزید الى انقضاء الدهر . وسيحصد ثمار عمله وخدمته. في ذلك الیوم العظیم الذی فیه ستفحص کل کلمة وکل عمل أمام اللهTr 329.1
والمعلم الذي يعرف هذا لن يحس بأن عمله قد اكمل عندما ينتهي من روتين تسميع الدرس كل يوم ولا يعود التلاميذ تحت رعايته المباشرة حينا من الوقت . أنه سیحمل هؤلاء الاطفال والشباب علی قلبه . وسیکون موضوع درسه وتفکیره وجهده الدائم کیف یضمن لهم أسمی وانبل مقیاس للعلمTr 329.2
أن من یری فرص عمله و امتیازاته لن یسمح لاي شيء بان يقف حائلا في طريق بذل الجهد الغيور لتحسين حالته . انه لن یدخر جهدا لبلوغ أسمی مقاییس التفوق . و کل ما یشتهیه لتلاميذه سیحاول أن یحققه لنفسه Tr 330.1
وبقدر ما يتعمق أحساس المعلم بالمسؤولية وبقدر ما یبذل الجهد فی تحسین حالته علی قدر ذلك یری بكل وضوح ، و کلما اشتد شعوره بالاسی علی النقائص التی تعطل نفعه .. فاذ يشاهد جسامة العمل الذي يزاوله وصعوباته وامكانیاته فکثرا ما یصرخ قلبه قائلا : ” من هو كفوء لهذه الامور ” !Tr 330.2
فیا أيها العلم العزیز : عند ما تفکر فی حاجتك الى القوة والارشاد ـ تلك الحاجة التي لا يمكن لمصدر بشري أن يسدها ــ فانا اشير عليك بان تفكر في مواعيد ذاك الذي هو العجیب المشیرTr 330.3
فهو يقول : ” هأنذا قد جعلت امامك بابا مفتوحا ولا يستطیع احد ان یغلقه ” ( رؤیا ۳ : ۸ )Tr 330.4
” ادعني فأجيبك ” ” أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلکها . انصحك . عینی علیك ” ( أرمیا ۳۳ : ۳ ؛ مزمور 32 : 8 )Tr 330.5
” ها أنا معکم کل الایام الى انقضاء الدهر ” ( متی 28 : 20 )Tr 330.6
أني أوجهك الى اقوال وحياة واساليب معلم المعلمين کأسمی إعداد لعملك . وانا أريدك واشير عليك بان تلاحظه . فهنا مثالك الحقيقي . انظر اليه وتأمل فيه حتى يسيطر على قلبك وحياتك روح المعلم الالهيTr 331.1
فاذ تکون : ناظرا « مجد الرب بوجه مکشوف » تتغیر « الى تلك الصورة عینها » ( ۲ کورنثوس ۳ : ۱۸ )Tr 331.2
هذا هو السر في قوتك على تلاميذك . انظر اليه والعكس مجدهTr 331.3