Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
خواطر من جبل البَرَكَة - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First

    « طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ » (متى 5: 5)

    يوجد في كل التطويبات تدرّج تقدّمي في الاختبار المسيحي. فالذين أحسّوا بالحاجة إلى المسيح والذين حزنوا بسبب الخطية والذين جلسوا مع المسيح في مدرسة الضيق سيتعلمون الوداعة من المعلم الإلهي.ArMB 8.4

    لم يكن الصبر ولا الرأفة أمام الظلم من الصفات التي يستحسنها الوثنيون أو اليهود. إنّ الحقيقة التي نطق بها موسى بوحي من الرُّوح الْقُدُس إنّه كان حليما جداً أكثر من جميع الناس الذين على الأرض لم يكن الناس من معاصريه يعتبرونها سبب مدح له أو ثناء عليه بل كانت بالحري تثير الإشفاق أو الاحتقار. ولكن يسوع يضع الوداعة بين أولى المؤهلات لملكوته. وقد كشفت حياته وأخلاقه عن الجمـال الإلهي لهذه النعمة الثمينة.ArMB 8.5

    إن يسوع بهاء مجد الآب « لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ » (فيلبي 2: 6، 7). لقد رضي بأن يجوز في كل اختبارات الحياة الوضيعة متمشيا بين بني الإنسان لا كملك يفرض على رعاياه الولاء، بل كمن كانت رسالته خدمة الآخرين. فلم يكن في خُلقه أي أثر للتعصّب أو العبوسة الباردة. لقد كانت لفادي العالم طبيعة أعظم من طبيعة الملائكة ومع ذلك فقد اقترن بجلاله الإلهي الوداعة والتواضع اللذان جذبا إليه الجميع.ArMB 8.6

    لقد أخلى يسوع نفسه وفي كل ما عمل لم تظهر الذات ولقد أخضع كل الأشياء لإرادة أبيه. وقرب انتهاء خدمته على الأرض أمكنه أن يقول: « أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ » (يوحنا 17: 4). وهو يأمرنا قائلا: « تعلموا مني لاني وديع ومتواضع القلب »، « إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ » (متى 11: 29؛ 16: 24). فلتنزل الذات عن العرش ولا تعد تسيطر على النفس.ArMB 9.1

    إنّ من يشاهد المسيح في إنكاره لذاته وتواضع قلبه سيلتزم أن يقول كما قال دانيال عندما شاهد واحداً كبني الإنسان: « نَضَارَتِي تَحَوَّلَتْ فِيَّ إِلَى فَسَادٍ » (دانيال 10: 8). إنّ الاستقلال وسيادة النفس اللذين نفخر بهما يريان في دناءتهما الحقيقية كعلائم للعبودية للشيطان. إنّ الطبيعة البشرية تكافح أبدا للتعبير ومستعدة للنضال والنزاع، ولكن الذي يتعلم من المسيح يخلي نفسه من الذات والكبرياء وحبّ السيطرة، والنفس يسودها السكون والهدوء. والذات تخضع لسيادة الرُّوح الْقُدُس. حينئذ لا نكون مشتاقين لاعتلاء أسمي مكان. ونحن لا نطمع في أن نشق لأنفسنا طريقا ليرانا الآخرون، ولكننا نحسّ بأنّ أسمى مكان لنا هو أن نكون عند قدمي مخلصنا. إنّنا ننظر إلى يسوع في انتظارنا أن يرشدنا بيده ونستمع لصوته ليقودنا. إنّ بولس الرسول كان له هذا الاختبار فقد قال: « مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي » (غلاطية 2: 20).ArMB 9.2

    إنّنا عندما نقبل المسيح كضيف حال في النفس فإن سلام الله الذي يفوق كل عقل سيحفظ قلوبنا وأفكارنا في المسيح يسوع. إنّ حياة المُخَلِّص على الأرض مع انّه عاشها في غمرة المحاربات كانت حياة السلام. ففي حين كان الأعداء الغاضبون يتأثرون خطواتِه باستمرار قال: « الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ » (يوحنا 8: 29). فلم يمكن لأية عاصفة غضب، بشرية كانت أو شيطانية، أن تزعج هدوء تلك الشركة الكاملة مع الله. وهو يقول لنا: « سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ » (يوحنا 14: 27). « اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً » (متى 11: 29). احملوا معي نير الخدمة لأجل مجد الله ورفع شأن الإنسانية فتجدوا النير هيّنا والحمل خفيفا.ArMB 9.3

    إنّ حبّ الذات هو الذي يقوّض سلامنا. فحين تكون الذات حية وناشطة فإننا نقف مستعدين دائما لحفظها من الانحلال والإهانة. أمّا إذا كنا قد متنا وحياتنا مستترة مع المسيح في الله فلن تتأثر قلوبنا بالإهمال أو الاستهانة. فآذاننا تكون صمّاء بحيث لا تسمع التعيير وعيوننا عمياء عن الاحتقار والازدراء « الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ، وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا » (1كورنثوس 13: 4-8).ArMB 9.4

    أمـّا السعادة المستقاة من الموارد الأرضية فتتغيّر بتغيّر الظروف، وأمّا سلام المسيح فدائم وثابت، فهو لا يعتمد على أيّ من الظروف في الحياة أو على كثرة ما نملك من حطام العالم أو عدد الأصدقاء الأرضيين. إنّ المسيح هو نبع الماء الحي والسعادة المستقاة منه لا يمكن أن تنضب أبدا.ArMB 9.5

    إنّ وداعة المسيح متى ظهرت في البيت فهي تُسعد السكان، إنّها لا تثير شجارا ولا تجاوب جوابا غاضبا ولكنّها تسكّن الطبع المهتاج وتنشر اللطف الذي يحسّ به جميع من هم ضمن نطاقه الساحر. وأينما تُراعَى تجعل العائلات على الأرض جزءا من العائلة الواحدة العظيمة في الأعالي.ArMB 10.1

    إنّ كوننا نتألم تحت الاتّهام الكاذب هو أفضل بكثير من أن نُعذّب أنفسَنا بالانتقام من أعدائنا، فروح الكراهية والانتقام أصلها من الشيطان ولا يمكنها أن تجلب غيرَ الشرّ لمن يحتضنها. إنّ أتضاع القلب، وتلك الوداعة التي هي من ثمار الثبات في المسيح هي سر البركة الحقيقي. « يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ » (مزمور 149: 4).ArMB 10.2

    والودعاء « يَرِثُونَ الأَرْضَ ». لقد دخلت الخطية إلى العالم عن طريق الرغبة في تمجيد الذات، وخسر أبوانا الأولان السيادة على هذه الأرض الجميلة التي كانت مملكتهما. وعن طريق إنكار الذات يفتدي المسيح ما قد ضاع. وهو يقول إنّنا سنغلب كما قد غلب هو (رؤيا 3: 21). فعن طريق الوداعة وتسليم الذات يمكننا أن نصير ورثة معه عندما « الْوُدَعَاء ... يَرِثُونَ الأَرْضَ » (مزمور 37: 11).ArMB 10.3

    إنّ الأرض الموعود بها الودعاء لن تكون كأرضنا هذه يُظلمها ظلّ الموت واللعنة. « وَلكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً، وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ » (2بطرس 3: 13). « وَلاَ تَكُونُ لَعْنَةٌ مَا فِي مَا بَعْدُ. وَعَرْشُ اللهِ وَالْخَرُوفِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ » (رؤيا 22: 3).ArMB 10.4

    ولا يكون فشل أو إخفاق ولا حزن ولا خطية، ولا من يقول أنا مريض، ولا توجد مواكب جنائز ولا حزن ولا موت ولا فراق ولا قلوب كسيرة. بل يسوع هناك وهناك السلام. « لاَ يَجُوعُونَ وَلاَ يَعْطَشُونَ، وَلاَ يَضْرِبُهُمْ حَرٌّ وَلاَ شَمْسٌ، لأَنَّ الَّذِي يَرْحَمُهُمْ يَهْدِيهِمْ وَإِلَى يَنَابِيعِ الْمِيَاهِ يُورِدُهُمْ » (إِشَعْيَاء 49: 10).ArMB 10.5