Loading...
Larger font
Smaller font
Copy
Print
Contents
الاباء والانبياء - Contents
  • Results
  • Related
  • Featured
No results found for: "".
  • Weighted Relevancy
  • Content Sequence
  • Relevancy
  • Earliest First
  • Latest First
    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents

    الفصل الثاني والعشرون—موسى

    -----------------

    إن شعب مصر لكي يتزودوا بالطعام في سني الجوع باعوا للدولة مواشيهم وأراضيهم وأخيرا اضطروا أن يصيروا عبيد مدى الحياة . وقد دبر يوسف بحكمته أمر تحريرهم فسمح لهم بأن يكونوا مستأجرين ، يأخذون أراضيهم من الملك على أن يدفعوا خراجا سنويا هو خمس حاصل كدهم .AA 209.1

    أما بنو يعقوب فلم يكونوا ملتزمين بمثل تلك الالتزامات. لأنه في مقابل الخدمات التي أداها يوسف للأمة المصرية أعفوا من الضرائب ، فضلا عن كونهم قد أعطوا قسما من البلاد للسكنى ، كما أعطي لهم طعام بسخاء في سنين الجوع . وقد اعترف الملك أمام الملأ بأن السر في وجود الخير الوفير في مصر في الوقت الذي تهلك فيه الأمم التي حولها جوعا هو تداخل إله يوسف ورحمته ، كما رأى أن حسن إدارة يوسف وتدبيره قد زادا في الغنى والرخاء الذي عم المملكة ، وكأن من مظاهر شكره لرئيس وزرائه أن شمل عائلة يعقوب بإحساناته ورضاه .AA 209.2

    ولكن بمرور الزمن مات ذلك الرجل العظيم الذي كانت مصر مدينة له بالكثير ، كما مات ذلك الجيل الذي تمتع بثمار جهوده وتحبه ، ( ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف ) (خروج 1 ، 2 : 1 - 10) ولكن هذا ليس معناه أنه كان يجهل ما قام به يوسف لمصر من خدمات ، بل معناه لأنه لم يرد لأن يعترف بها ، وعلى قدر الإمكان جعلها تنسى من الأذهان . ( فقال لشعبه : هوذا بنو إسرائيل شعب أكثر وأعظم منا . هلم نحتال لهم لئلا ينموا ، فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض ) .AA 209.3

    كان الإسرائليون في ذلك الحين قد كثروا جدا ( فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيرا جدا ، وامتلأت الأرض منهم ) فبفضل رعاية يوسف ورضى الملك الذي كان يملك حينئذ انتشروا في كل البلاد ، ولكنهم ظلوا شعبا منفصلا يسكن وحده ، لا صلة لهم بالمصريين لا في عاداتهم ولا في ديانتهم . فهذا النمو وهذا التكاثر أثار مخاوف الملك وشعبه لئلا إذا نشبت حرب ينضموا إلى أعداء مصر . ولكن أنظمة الدولة منعت الملك من طرد الشعب من البلاد ، فقد كان كثيرون منهم عمالا مقتدرين وذوي فهم . وزادوا في ثراء الأمة كثيرا ، وكان الملك بحاجة إلى مثل أولئك الفعلة في بناء قصوره وهياكله الفخمة ، ولذلك جعلهم في صف المصريين الذين كانوا قد باعوا أنفسهم مع أملاكهم للدولة . وسرعان ما أقيم عليهم مسخرون فكملت عبوديتهم ( فاستبعد المصريون بني إسرائيل بعنف ، ومرروا حياتهم بعبوديتهم قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل في الحقل . كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عنفا ) ( ولكن بحسبنا أذلوهم هكذا نموا وامتدوا ) .AA 209.4

    وكان ملك مصر ومشيروه يرجون أنهم سيتغلبون على الإسرائليين بتسخيرهم إياهم في الأشغال الشاقة ، وهكذا يقللون عددهم ويسحقون روحهم الاستقلالية . فإذ أخفقوا في الوصول إلى غرضهم لجأوا إلى إجراءات أشد قسوة ، فلقد صدرت الأوامر إلى القابلتين اللتين كان عملهما يعطيهما فرصة لتنفيذ أوامر الملك بأن يقتلا أبناء العبرانيين حين يولدون . وكان الشيطان هو المحرض ففي هذا الأمر ، لأنه كان يعلم أن مخلصا سيقوم من بين الإسرائليين ، فإذ يسوق الملك لإهلاك أبنائهم سيكون قادرا على إحباط قصد الله . ولكن القابلتين خافتا الله ولم تجسرا على تنفيذ ذلك الأمر القاسي . وقد رضى الرب عن مسلكهما وأنجحهما . وغضب الملك لفشله في إتمام غرضه ، ولذلك جعل أمره ناجزا وشاملا إذا أمر الأمة كلها أن تطارد كل أولئك الضحايا العاجزين . ( ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلا : كل ابن يولد تطرحونه في النهر ، ولكن كل بنت تستحيونها ) .AA 210.1

    فإذ كان هذا الأمر ساريا أنجبت يوكابد ابنا لعمرام ، وهما زوجان تقيان من سبط لاوي . وكان الصبي حسن الصورة . وإذ كان ذانك الأبوان يؤمنان بأن يوم تحرير إسرائيل يقترب ، وأن الله سيقيم لهم مخلصا من شعبه صمما على أن يحولا دون هلاك ابنهما . وقد قوى قلبيهما إيمانهما بالله ( ولم يخشيا أمر الملك ) (عبرانيين 11 : 23) .AA 210.2

    أفلحت الأمم في إخفاء ابنها ثلاثة أشهر ، ولكنها لم تستطع أن تخبئه أكثر فصنعت له سفطا من البردي وطلته بالحمر والزفت منعا لتسرب المياه إليه ووضعت فيه وليدها ثم وضعته بين الحلفاء على حافة النهر ، ولم تجرؤ على الوقوف لمراقبته لئلا يقضى عليها وعلى ابنها بالموت . ولكن أخت ذلك الطفل ، واسمها مريم ، وقفت من بعيد . وإذ تظاهرت بعدم الاكتراث له كانت بكل شوق ولهفة تراقبه لترى ماذا يصنع بأخيها الصغير . ولكن كان هنالك حراس آخرون ، فإن الأم بصلواتها الحارة أسملت بنها بين يدي الله ، ولذلك كان الملائكة يحفون بذلك المهد المتواضع وإن لم ينظرهم أحد . وقد أرشد الملائكة ابنة فرعون إلى ذلك المكان . فأثارت رؤيتها لذلك السفط فضولها ، وإذ نظرت الطفل الجميل الذي فيه ، قرأت قصته في لمحة ، واستدرت دموع ذلك الطفل عطفها ، كما تناول ذلك العطف تلك الأم المجهولة التي لجأت إلى هذه الوسيلة لحفظ حياة وليدها الغالي ، فصممت على إنقاذه واتخاذه ابنا لها .AA 210.3

    وكانت مريم تراقب سرا كل حركة ، فإذ رأت الرعاية والشفقة اللتين عومل بهما الطفل تجرأت واقتربت أكثر ، وأخيرا قالت لابنة فرعون : ( هل أذهب وأدعوا لك امرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد ؟ ) فسمحت لها بذلك .AA 211.1

    أسرعت الفتاة إلى أمها تزف إليها هذه البشرى وبدون إبطاء ذهبت بها إلى ابنة فرعون التي قالت للأم ( اذهبي بهذا الولد وأرضعيه لي وأنا أعطي أجرتك ) .AA 211.2

    لقد سمع الله صلوات الأم وكافأ إيمانها ، فبشكر عميق لله عادة الأم لذلك العمل المفرح المحبب إلى قلبها وهو إرضاع ابنها بلا خوف ، وأحسنت استخدام هذه الفرصة في تعليم ابنها عن الله ، وكانت واثقة بأن الله قد أبقى على حياة ابنه لأن له عملا عظيما يعمله ، كما علمت أن ( أمه ) ابنة الملك ستأخذه إلى القصر بعد قليل ، حيث يكون محاطا بمؤثرات تعمل على إبعاده عن الله . كل هذا جعلها تبذل جهدا وحرصا أعظم في تعليمه مما بذلت مع باقي أولادها . لقد حاولت أن ترسخ في ذهنه مخافة الله ومحبته وحقه وعدله ، وصلت بكل حرارة طالبة من الرب أن يحفظه من كل العوامل المفسدة ، وكشفت لابنها عن جهالة وخطية عبادة الأوثان ، ومنذ نعومة أظفاره علمته أن يقدم سجوده وصلواته إلى الله الحي الذي يستطيع وحده أن يسمعه ويعينه في كل الظروف التي تمر به .AA 211.3

    أبقت ذلك الصبي عندها أطول مدة ممكنة ، ولكنها اضطرت في النهاية إلى تسليمه لابنة الملك وقد بلغ حوالي الثانية عشرة من عمره ، فأخذ من ذلك البيت المتواضع إلى ابنة فرعون في قصرها الملكي ( فصار لها ابنا ) ومع ذلك فحتى وهو في ذلك المكان لم تفارقه تلك المؤثرات التي انطبعت على قلبه في طفولته . ولم يكن لذلك الصبي أن ينسى تلك الدروس التي لقنته إياها أمه ، لا بل كانت له درعا حفظته من الكبرياء والإلحاد والرذيلة المتفشية بين رجال البلاط .AA 211.4

    ما كان أعظم وأبعد تأثير تلك الأم العبراينة مع أنها كانت متغربة وأمة مستبعدة ! إن كل حياة موسى المستقبلة والرسالة العظيمة التي قام بها قائدا لإسرائيل تشهد لأهمية عمل الأم المسيحية ، وليس عمل آخر يضارع هذا العمل . إن الأم تمسك مصير أطفالها بين يديها إلى مدى بعيد جدا . إنها تتعامل مع العقول والأخلاق في نموها وتطورها ، وهي تعمل لا للزمن الحاضر وحده بل للأبدية . إنها تبذر البذار الذي لا بد من أن يطلع وينمو ويثمر ، إن خيرا وإن شرا . إنها لا ترسم صورة جميلة ولا تنحت تمثالا رائعا من المرمر ، ولكنها تطبع صورة الله على نفس بشرية ، فعلى الأم تقع مسؤولية تكوين أخلاق أولادها خصوصا في بكور حياتهم ، لأن تلك الانطباعات التي تتأثر بها عقولهم النامية في طفولتهم لن تمحى ، بل لا بد من أن تلازمهم مدى الحياة . فعلى الآباء أن يهتموا بتوجيه أولادهم وهم يعلمونهم ويدربونهم في صغرهم حتى يصيروا مسيحيين . إنهم موضوعون تحت رعايتنا لنربيهم ، لا لكي يرثوا عرش مملكة أرضية بل كملوك لله ليملكوا مدى دهور الأبد .AA 212.1

    لتشعر كل أم أن لحظات حياتها لا تقدر بثمن ، وأن عملها سيمتحن في يوم الحساب الرهيب . وحيئنذ سيرى أن كثيرا مما أصاب الرجال والنساء من فشل وما اقترفوه من جرائم كان منشأه جهل وإهمال الذين كان واجبهم يقتضي أن يقودوا خطواتهم في طفولتهم في الطريق القويم ، كما سيرى أن كثيرين ممن قد باركوا العالم بنور العبقرية والحق والقداسة يعزون المبادئ التي دفعتهم إلى انتهاج طريق التأثر الصالح والنجاح إلى أمهاتهم المسيحيات المصليات .AA 212.2

    وفي بلاط فرعون حصل موسى على أسمى تهذيب مدني وعسكري ، فلقد صمم الملك على أن يجعل حفيده المتبنى هذا خليقته على العرش ، ولذلك تهذب هذا الشاب ليكون جديرا بهذا المركز الخطير ( فتهذب موسى بكل حكمة المصريين ، وكان مقتدرا في الأقوال والأعمال ) (أعمال 7 : 22) وإن مقدرته كقائد حربي حببته إلى قلوب كل جيوش مصر ، وكان الجميع يعتبرونه شخصية عظيمة . ولقد انهزم الشيطان فلم يفلح في ما كان ينتويه ، فالمنشور نفسه الذي صدر حاكما بالموت على أطفال العبرانيين حوله الله إلى تعليم وتهذيب ذاك الذي سيكون قائد لشعبه فيما بعد .AA 212.3

    علم الملائكة شيوخ بني إسرائيل أن وقت نجاتهم قريب ، وأن موسى هو الشخص الذي سيستخدمه الله في إنقاذهم ، كما أعلم الملاكئة موسى أيضا أن الله قد اختاره لكسر نير عبودية شعبه ، وإذ ظن أنهم سيحصلون على حريتهم بقوة السلاح كان ينتظر أن يجرد بني إسرائيل ضد جيوش مصر ، فإذ كان مشغولا بهذا الأمر أراد أن يضبط عواطفة لئلا يعطله تعلقه بأمه المربية أو بفرعون عن عمل إرادة الله .AA 213.1

    وبموجب قوانين مصر كان على من يعتلون عرش الفراعنة أن يكونو أعضاء في هيئة الكهنوت . فموسى الذي كان الوارث العتيد للعرش كان عليه أن يطلع على أسرار ديانة الأمة ، وهذا الواجب كان موكولا للكهنة ، ولكن مع أن موسى كان تلميذا مجتهدا لا يعرف الكسل لم يكن إغواؤه للاشتراك في عبادة الكهنة ، فهددوه بأن ذلك قد يفقده التاج المصري ، وأنذوره بأن الأميرة قد تتبرأ منه إذا ظل متمسكا بعقيدته العبرانية ، ولكن لم يمكن زحزحته عن تصميمه على ألا يقدم ولاءه وعبادته لغير الإله الواحد خالق السماوات والأرض . وكان يناقش الكهنة ويجادل العابدين مبينا لهم جهالة توقيرهم الخرافي لأشياء لا تحس ولا تشعر ولم يستطع أحد أن يدحض حججه أو يحوله عن غرضه ، غير أنهم صبروا على عناده وثباته إلى حين بسبب منزلته الرفيعة والرضى العام الذي كان له قي قلب الملك والشعب .AA 213.2

    )بالإيمان موسى لما كبر أبى أن يدعى ابن ابنة فرعون ، مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية ، حاسبا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر ، لأنه كان ينظر إلى المجازاة ) (عبرانيين 11 : 24 — 26) لقد كان موسى مؤهلا لأن يكون مفضلا على كل عظماء الأرض ، وأن يشتهر في بلاط أمجد ممالكها ، وأن يتسلط عليها بقضيب ملكها . إن عظمة عقله الجبار جعلته ممتازا بين أعاظم الرجال في كل الأجيال . فكمؤرخ وشاعر وفيلسوف وقائد للجيوش ومشترع لم يكن له ند يضارعه . ومع ذلك ففيما كان يستعرض العالم أمامه كانت له قوة أدبية عظيمة جعلته يرفض ما للغنى والعظمة والشهرة من آمال خلابة خادعة . ( مفضلا بالأحرى أن يذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية ) .AA 213.3

    كان موسى قد تعلم شيئا عن المجازاة الأخيرة التي ستعطى لعبيد الله المتواضعين المطيعين ، لذلك أصبحت الأرباح العالمية تافهة وعديمة الأهمية في نظره . فقصر فرعون العظيم وعرش الملك عرضا على موسى لإغرائه ، ولكنه عرف أن تمتعات الخطية التي تجعل الناس ينسون الله كانت تربض في البلاط الملكي . لقد نظر إلى ما هو أبعد من القصر الفخم العظيم ، وتاج الملك ، إلى الكرامة العظيمة التي سيمنحها الرب العلي لقديسية في ملكوت لا تدنسه الخطية . لقد رأى بالإيمان إكليلا لا يفنى يضعه ملك السماء على هامة الرجل المنتصر ، فهذا الإيمان جعله يتحول عن وجهاء الأرض وعظمائها ويتحد بتلك الأمة المحتقرة الفقيرة التي آثرت الطاعة لله على خدمة الخطية .AA 214.1

    ظل موسى في بلاط فرعون حتى بلغ الأربعين من عمره ، وكثيرا ما اتجهت أفكاره إلى الحالة المحتقرة الذليلة التي كان فيها شعبه ، وزار إخوته في عبوديتهم وشجعهم ، مؤكدا لهم أن الله سيخصلهم . في غالب الأحيان إذ كان يثيره إلى حد الحقد الشديد منظر الظلم والطغيان الواقعين عليهم . كان قلبه يلتهب في داخله متلهفا إلى أن يثأر لهم عن تلك المظالم . ففي أحد الأيام إذ خرج لينظر في أثقالهم ورأى مصريا يضرب إسرائليا وثب على المصري وقتله . ولم يكن هناك شاهد عيان لذلك الحادث غير الإسرائيلي . وطمر موسى جثة ذلك المصري في الرمل في الحال . فها هو قد أظهر الآن استعداده للدفاع عن حقوق بني شعبه ، وكان يرجوا أنهم سيهبون لاسترداد حريتهم ( فظن أن إخوته يفهمون أن الله على يده يعطيهم نجاة ، وأما هم فلم يفهموا ) (أعمال 7 : 25) إنهم لم يكونوا مهيئين للحرية بعد . وفي اليوم الثاني رأى موسى اثنين من العبرانيين يتخاصمان ، ووضح أن أحدهما كان مخطئا في حق أخيه ومتجنيا عليه ، فوبخ موسى ذلك المعتدي الذي أراد في الحال أن يثأر من موبخه ، منكراعليه حقه في التدخل ، وبكل خسة اتهمه بالإجرام قائلا له : ( من جعلك رئيسا وقاضيا علينا ؟ أمفتكر أنت بقتلي كما قتلت المصري ؟ فخاف موسى وقال : حقا قد عرف الأمر ) (خروج 2 : 14) .AA 214.2

    وسرعان ما عرف المصريون بالأمر كله ، ووصل الخبر إلى مسامع فرعون مبالغا فيه جدا ، إذ صورو الخبر لفرعون على أنه يعني الشيئ الكثير ، وعلى أن موسى قصد أن يقود شعبه لمحاربة المصريين لقلب الحكومة وليقيم نفسه ملكا ، وأن المملكة لن يكون لها أمان بل ستكون مهددة ما دام موسى على قيد الحياة . فصمم الملك في الحال على قتله . فحالما علم بالخطر المحيق به هرب إلى بلاد العرب .AA 214.3

    وقد أرشد الرب خطواته ، فسكن مع يثرون كاهن مديان وحاكمها الذي كان هو أيضا ممن يعبدون الله . وبعد ذلك تزوج موسى إحدى بنات يثرون ، وظل أربعين سنة يرعى غنم حميه .AA 215.1

    إن موسى إذ قتل ارتكب نفس الغلطة التي طالما ارتكبها أجداده ، وهي محاولتهم القيام بالعمل الذي وعد الله بأن يقوم به . ولم تكن إرادة الله أن يخلص شعبه عن طريق إثارة الحرب كما ظن موسى ، بل بقوته العظيمة لكي ينسب المجد لله وحده . وكلن حتى هذه الفعلة الطائشة سيطر الله عليها لإتمام مقاصده ، فإن موسى لم يكن مهيأ لعمله العظيم ، فلقد بقي عليه أن يتعلم درس الإيمان الذي تعلمه إبراهيم ويعقوب من قبل - وهو ألا يعتمد على قوته أو حكمته البشرية بل على قدرة الرب لإنجاز مواعيده . كما كانت هنالك دروس أخرى وجب على موسى أن يتلقاها وهو منفرد في الجبال ، فكان عليه أيضا أن يتعلم دروس الصبر والعلم والتحكم في عواطفه وغضبة في مدرسة إنكار الذات ، والمشقات . فقبلما يستطيع أن يحكم حكما صائبا وجب أن يتدرب على الطاعة ، وأن يكون قلبه متوافقا تماما مع إرادة الله قبلما يعلم إسرائيل تلك الإرادة المقدسة . وعن طريق اختباره الشخصي كان عليه أن يعد لممارسة الرعاية الأبوية لكل من يحتاجون إلى معونته .AA 215.2

    إن الإنسان ليود الاستغناء عن تلك الحقبة الطويلة التي قضيت في التعب والغموض والانطواء ، إذ يحسب أن ذلك الوقت قد ضاع هباء ، ولكن الحكمة الإلهية التي لا تدرك دعت ذلك الرجل الذي كان مزمعا أن يكون قائدا لشعبه ليقضي أربعين سنة يقوم بعمل راع متواضع . فإذ نمت واكتملت فيه صفات الحرص ، ونسيان الذات ، والرفق والاهتمام بقطيعه فقد أعده ذلك لأن يكون راعي إسرائيل المشفق الصبور الطويل الأناة . ولم يكن ممكنا لأي تربية أو تهذيب أو تدريب بشري أن ينفع بديلا عن هذا الاعتبار .AA 215.3

    كان موسى قد تعلم أشياء كثيرة وجب عليه أن ينساها . فالمؤثرات التي أحاطت به في مصر — كمحبته لأمه المربية التي اتخذته ابنا لها ، ومركزه كحفيد الملك ، والإسراف في كل وجه ، والثقافة والدهاء وصوفية ديانة المصريين الكاذبة وشعوذتها ، وجلال العبادة الوثنية وفخامة فن البناء والنحت والنقش — كل هذه تركت آثارها العميقة في عقله المتطور كما شكلت عاداته وأخلاقه إلى حد ما . ولكن مرور الزمن وتغير البيئة وشركته مع الله يمكنها أن تلاشي تلك المؤثرات . ومن جانب موسى كانت الحال تحتاج إلى كفاح يدوم مدى الحياة ليطرح عنه الخطأ ويعتنق الصواب والحق . ولكن إذ كان لا بد أن يخف إلى معونته حين تبرهن أن القوة البشرية أعجز من أن تنتصر في هذا النضال .AA 215.4

    إن العنصر البشري يُرى في حياة كل من قد اختيروا للقيام بعمل لله . ولكنهم لم يكونوا أناسا ذوي أخلاق وعادات جامدة ، ولا اكتفوا بالبقاء على حالتهم . لقد تاقوا بكل قلوبهم للحصول على الحكمة من الله وتعلم خدمته . يقول الرسول : ( إن كان أحدكم تعوزه حكمة ، فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعير ، فسيعطى له ) (يعقوب 1 : 5) ولكن الله لا يمكن أن يمنح نوره الإلهي لقوم يقنعون بالبقاء في الظلام ، فلكي يحصل الإنسان على معونة الله ، عليه أن يتأكد من ضعفه ونقصه . وعليه أن يخضع عقله للتاثير العظيم المزمع أن يحدث فيه ، وأن ينهض لحياة الصلاة الحارة اللجوجة والجهاد ، وأن يطرح عنه كل العادات والخصال الخاطئة . فبالسعي الجدي وحده في إصلاح هذه الأخطاء والتمسك بالمبادئ القويمة يمكن إحراز النصرة . إن كثيرين لا يصلون أبدا إلى المراكز التي كان يمكنهم أن يشغلوها لأنهم ينتظرون من الله أن يحمل لهم ما قد أعطاهم القوة على عمله بأنفسهم . إن أولئك المؤهلين للنفع ينبغي لهم أن يتدربوا بأقسى التدريبات العقلية والأخلاقية ، والله سيساعدهم بكونه يضيف إلى المجهود البشري قدرته الإلهية .AA 216.1

    إن موسى إذ كان محاصرا بالجبال من كل ناحية كان منفردا مع الله . لم تعد الهياكل الفخمة تؤثر في عقله بخرافاتها وأكاذبيها ، ففي جبال الآكام الدهرية وعظمتها رأى جلال الله العلي ، وعلى عكس ذلك فقد تحقق من عجز آلهة مصر وتفاهتها. رأى اسم الله مكتوبا في كل مكان ، وبدا كأن موسى قد وقف في حضرته واستظل بقدرته فزايلته هنا كبرياؤه واكتفاؤه بنفسه . ففي بساطة حياته الصارمة التي عاشها في البرية اختفت عواقب الراحة والترف الذي كان يتمتع به في مصر . وأصبح صبورا ووقورا ومتواضعا . ( وأما الرجل موسى فكان حليما جدا أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض ) (عدد 12 : 3) . ومع ذلك فقد كان إيمانه قويا بعزيز يعقوب .AA 216.2

    وإذ كانت السنون تكر ، وكان هو يجول بقطعانه في أماكن منعزلة ، متأملا في حالة العبودية القاسية التي كان شعبه يئن تحتها جعل يستعيد إلى ذاكرته معاملات الله لآباءه ، والمواعيد التي كانت هي ميراث الشعب المختار ، فكانت صلواته إلى الله لأجل إسرائيل ليلا نهارا ، وقد أراق ملائكة الله حوله نورا ، وهنا كتب سفر التكوين بإلهام من الله . إن السنين الطويلة التي قضاها في خلوته في تلك البرية كانت غنية بالبركة ، ليس لموسى وشعبه وحدهم ، بل لكل الأجيال المتعاقبة .AA 216.3

    ( وحدث في تلك الأيام الكثيرة أن ملك مصر مات ، وتنهد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا ، فصعد صراخهم إلى الله من أجل العبودية . فسمع الله أنينهم ، فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ونظر الله بني إسرائيل وعلم الله ) (خروج 2 : 23 - 25) .AA 217.1

    لقد حان وقت خلاص إسرائيل ، ولكن كان لا بد أن يتم قصد الله بكيفية تجلب العار على الكبرياء البشرية . كان على المحرر أن يسير كراعي غنم متواضع وليس بديه غير عصاه ، ولكن الله سيجعل تلك العصا رمزا لقوته ، فإذ كان موسى يقود قطعانه في أحد الأيام إلى قرب حوريب ( جبل الله ) رأى عليقة مشتعلة بالنار ، اشتعلت النار في أغصانها وأوراقها وجذعها ولكن بدا كأنها لا تحترق . فإذ اقترب منها ليرى ذلك المنظر العجيب سمع صوتا خارجا من اللهيب يناديه باسمه ، فخرجت الكلمات من شفتيه المرتعشتين تقول ( هأنذا ) فحذره الصوت من الاقتراب في غير وقار إذ قال له ( اخلع حذاءك من رجليك ، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة .. أنا إله أبيك ، إله إبراهيم وإله إسحاق وإله يعقوب ) (خروج 3 ، 4 : 1 -26) . لقد كان هو ملاك العهد الذي أعلن نفسه للآباء في العصور الماضية . ( فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله ) .AA 217.2

    ينبغي لكل من يقتربون من محضر الله أن يتصفوا بالوادعة والوقار . بإمكاننا الاقتراب إلى الله باسم المسيح بثقة ، ولكن يجب ألا نقترب منه في جرأة وغطرسة ووقاحة كما لو كان في مستوانا . من الناس من يخاطبون الله القدوس القدير الساكن في نور لا يدنى منه كما لو كانوا يخاطبون شخصا هو ند لهم أو أقل منهم . إن كثيرين يتصرفون في بيت الله بما لا يتصرفون به وهم في حضرة ملك أرضي . فعلى هؤلاء أن يذكروا أنهم في حضرة ذاك الذي يمجده السرافيم والذي في حضرته يغطي الملائكة وجوههم . يجب أن نقدم لله أعظم توقير واحترام ، فكل من يتحققون من حضوره لا بد من أن يسجدوا له بكل تواضع ، وكيعقوب إذ يرون رؤيا الله يهتفون : ( ما أرهب هذا المكان ! ما هذا إلا بيت الله ، وهذا باب السماء ) .AA 217.3

    وإذا كان موسى منتظرا أمام الله في وقار مقدس استأنف الله كلامه قائلا : ( إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم . إني علمت أوجاعهم ، فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين ، وأصعدهم من تلك الأرض الى أرض جيدة وواسعة ، إلى أرض تفيض لبنا وعسلا .. فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون ، وتخرج شعبي بني إسرائيل من مصر ) .AA 218.1

    ففي ذهوله ورعبه من هذا الأمر ارتد موسى إلى الوراء قائلا : ( من أنا حتى أذهب إلى فرعون ، وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر ؟ ) فجاءه جواب الرب يقول : ( إني أكون معك ، وهذه تكون لك العلامة أني أرسلتك : حينما تخرج الشعب من مصر ، تعبدون الله على هذا الجبل ) .AA 218.2

    لقد كان موسى يفكر في الصعوبات التي سيلاقيها وفي عمى شعبه وجهالتهم وعدم إيمانهم ، إذ كان كثيرون منهم مجردين من معرفة الله ، فقال : ( ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم : إله آبائكم أرسلني إليكم . فإذا قالوا لي : ما اسمه ؟ فماذا أقول لهم ؟ ) فكان الجواب : ( أهيه الذي أهيه ) فقال : )هكذا تقول لبني إسرائيل : أهيه أرسلني إليكم ) .AA 218.3

    لقد أمر موسى أولا أن يجمع شيوخ إسرائيل الذين هم أكثر الناس نبلا وبرا ، الذين حزنوا وتألموا طويلا من جراء عبوديتهم ، ويعلن لهم الرسالة التي تلقاها من الله ويقدم لهم وعدا بالخلاص . وبعد ذلك فإن عليه أن يذهب معهم إلى الملك ليقولو له :AA 218.4

    ( الرب إله العبرانيين التقانا ، فالآن نمضي سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا ) .AA 218.5

    وقد سبق الرب فأنذر موسى بأن فرعون لن يسمح بإطلاق سراح بني إسرائيل ، ومع ذلك فيجب ألا يثبط هذا من عزيمة عبد الرب ذاك ، لأن الرب سيجعل ذلك مجالا لإظهار قدرته أمام المصريين وأمام شعبه ، ( فأمد يدي وأضرب مصر بكل عجائبي التي أصنع فيها . وبعد ذلك يطلقكم ) .AA 218.6

    وقدم له الرب أيضا بعض تعليمات بخصوص المؤونة التي يأخذونها في رحلتهم قائلا : ( فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين . بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابا ) ، لقد اغتنى المصريون من العمل الذي فرض على الإسرائيليين ظلما ، وحيث أن هؤلاء كانوا سيرحلون إلى وطنهم الجديد ، فالصواب والعدل يقضيان بأن يطلبوا مكافأة عن سني العمل الشاق المضني ، فكان لا بد لهم من أن يطلبوا منهم أمتعة غالية القيمة مما يسهل حمله ، والرب سيعطيهم نعمة في عيون المصريين . فالمعجزات العظيمة التي ستصنع لأجل خلاصهم ستوقع الرعب في قلوب مستعبديهم بحيث يعطون أولئك العبيد ما يطلبونه .AA 218.7

    رأى موسى أمامه صعوبات تراءى له أنه لا يمكن التغلب عليها ، فأي برهان يقدمه للشعب على أن الله قد أرسله ؟ فقال : ( ها هم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي ، بل يقولون : لم يظهر لك الرب ) فأعطي له أحد البراهين التي تقتنع بها حواسه إذ قيل له أن يطرح عصاه إلى الأرض . فلما فعل ذلك ( صارت حية ، فهرب موسى منها ) فلما أمر أن يمسك بها وأمسكها صارت عصا في يده . وبعد ذلك أمر بأن يضع يده في عبه فلما أطاع الأمر وأخرج يده من عبه ( إذا يده برصاء مثل الثلج ) . وإذ أمر بإدخالها مرة ثانية ثم أخرجها فإذا هي قد عادت كالأخرى . وأخبره الرب أن هذه الآيات ستكون كافية لإقناع شعبه وفرعون أيضا بأن كائنا أعظم وأقوى من ملك مصر قد ظهر بينهم .AA 219.1

    إلا أن خادم الرب ذاك كان يؤرقه تفكيره في العمل العجيب الغريب الذي أمامه ، ففي ضيقته وخوفه توسل بأن يعفى لكونه تعوزه فصاحة اللسان قال : ( استمع أيها السيد ، لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ، ولا من حين كلمت عبدك ، بل أنا ثقيل الفم واللسان ) لقد غاب عن مصر سنين طويلة فنسي إتقانه للغة المصريين التي كان يحسن التكلم بها وهو معهم .AA 219.2

    فقال له الرب : ( من صنع للإنسان فما ؟ أو من يصنع أخرس أو أصم أو بصيرا أو أعمى ؟ أما هو أنا الرب ؟ ) ثم اضاف الرب إلى ذلك وعدا آخر لأكد له فيه أنه سيساعده ، إذ قال له : ( اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به ) ولكن موسى توسل إلى الرب أن يختار شخصا آخر أكثر أهلية منه . كان منشأ هذه الأعذار في االبداءة وداعة موسى وعدم ثقته بنفسه ، ولكن بعد ما وعده الرب بأن يزيح من طريقه كل العوائق الموانع ويكلل أعماله بالنجاح النهائي ، فكل تراجع و شكوى من عدم أهليته لذلك العمل أظهر عدم الثقة بالله ، وكان دليلا على خوفه من أن الله لن يقدر أن يؤهله لذلك العمل العظيم الذي دعاه إليه ، أو أنه تعالى قد أخطأ في اختياره إياه .AA 219.3

    ووجه الرب موسى إلى هارون أخيه الأكبر الذي إذ كان يتكلم بلغة المصريين كل يوم كان يستطيع التكلم بها بطلاقة ، وقيل له أن هارون قادم لملاقاته ، وكانت كلمات الرب التالية أمرا صريحا : AA 220.1

    ( تكلمه وتضع الكلمات في فمه ، وأنا أكون مع فمك ومع فمه ، وأعلمكما ماذا تصنعان . وهو يكلم الشعب عنك . وهو يكون لك فما ، وأنت تكون له إلها . وتأخذ في يدك هذه العصا التي تصنع بها الآيات ) . لم يبد موسى أية مقاومة بعد ذلك لأن الرب أزال من أمامه كل الأعذار .AA 220.2

    إن الأمر المقدم من الله إلى موسى وجده غير واثق بنفسه وثقيل اللسان وهيابا ، وقد شمله شعور بعدم كفاءته للأن يكلم لإسرائيل عن الله . ولكن بعدما اضطلع بذلك العمل قام به بكل قلبه واضعا كل اتكاله على الرب . وإن عظمة رسالته جعلته يدرب أفضل قوى عقله ، وبارك الله طاعته التامة ، فصار فصيحا ووطيد الرجاء ومالكا لنفسه ومؤهلا لأعظم عمل كلف به أي إنسان . وهذا مثال لما يفعله الله لتقوية أخلاق من يتكلون عليه اتكالا كاملا ويخضعون لأوامره بدون تحفظ .AA 220.3

    إن الإنسان يحصل على قوة ومقدرة عندما يأخذ على نفسه المسؤوليات التي يضعها الرب عليه ، وبكل قلبه يحاول أن يكيف نفسه لحملها بالكيفية الصائبة. إن ذلك الإنسان لا بد من أن يحصل على العظمة الحقيقية إذا كان يتكل على قدرة الله ، ويجتهد في إنجاز عمله بإخلاص ، مهما كان مركزه بسيطا وإمكانياته محدودة . لو أن موسى اتكل على قوته وحكمته وبكل شغف قبل تلك المأمورية لكان قد برهن بذلك على عدم أهليته للقيام بذلك العمل . إن حقيقة كون الإنسان يحس بضعفه هي على الأقل برهان على أنه يقدر جسامة العمل الموكول إليه ، وأنه سيجعل الله مشيره وقوته .AA 220.4

    عاد موسى إلى حميه وعبر له عن شوقه إلى افتقاد إخوته الذين في مصر . فأجابه يثرون إلى طلبه وباركه قائلا : ( اذهب بسلام ) فبدأ موسى رحلته ومعه امرأته وأولاده . إنه لم يجرؤ على التصريح بغرضه من تلك الرحلة لئلا تمنع عائلته من مصاحبته ، ومع ذلك فقبل وصوله إلى مصر فكر في أن الأفضل إعادة عائلته إلى مديان حرصا على سلامتها .AA 220.5

    وكان في أعماق قلب موسى خوف خفي من فرعون ومن المصريين الذين اشتعل غضبهم عليه منذ أربعين سنة خلت ، وهذا أوجد في نفسه نفورا من العودة إلى مصر ، ولكن عندما بدأ في السفر إطاعة لأمر الله أعلن له الرب أن أعداءه قد ماتوا .AA 221.1

    وفي طريقهم من مديان تلقى موسى إنذارا مرعبا مخيفا بغضب الله عليه ، فلقد ظهر له ملاك يهدده كما لو كان سيهلكه في الحال . ومع أنه لم يقدم له أي إيضاح ، إلا أن موسى ذكر أنه قد أغفل أحد مطاليب الله ، فلكونه خضع لتحريضات زوجته أهمل إجراء فريضة الختان لابنه الأصغر ، فهو لم يتمم الشرط الذي بموجبه يصير لابنه الحق في امتلاك بركات عهد الله مع إسرائيل . مثل هذا الإهمال من جانب القائد المختار المختار لا بد من أن يقلل من قوة أمر الله المفروض على شعبه . فإذ خافت صفورة لئلا يموت رجلها أجرت تلك الفريضة بنفسها ، وبعد ذلك سمح الرب لموسى بالتقدم في سيره . إن موسى بذهابه إلى فرعون كان لا بد من أن يعرض نفسه لخطر جسيم ، ولا يمكن أن تحفظ نفسه ما لم يحرسه الملائكة القديسون ، ولكنه لم يكن في أمان ما ظل مهملا لواجب معلوم له كهذا ، لأنه في هذه الحالة لا يمكن الملائكة أن يحرسوه .AA 221.2

    وفي وقت الضيق الذي سيسبق مجيء المسيح سيحفظ ملائكة السماء جماعة الأبرار . أما من يتعدى شريعة الله فلا أمان له . ولن يستطيع الملائكة حينئذ أن يحرسوا أولئك الذين يغفلون أيا من أوامر الله .AA 221.3

    * * * * *

    Larger font
    Smaller font
    Copy
    Print
    Contents