الفصل التاسع والخمسون—أول ملوك إسرائيل
إن حكومة إسرائيل كانت مدبرة باسم الـلــه وسلطانه ، ولم يكن عمل موسى أو الشيوخ السبعين أو الحكام أو القضاة إلا تنفيذ القوانين التي قد أعطاها الـلــه ، فلم يكن لهم السلطان أن يسنوا شريعة للأمة وظل هو الشرط لبقاء إسرائيل كأمة . ومن جيل إلى جيل أرسل الـلــه رجالا موحى إليهم لتعليم الشعب وتوجيههم إلى تنفيذ شرائعه والعمل بها .AA 542.1
لقد سبق الرب فرأى أن بني إسرائيل سيطلبون ملكا ، ولكنه لم يرض بإجراء أي تغيير في المبادئ التي كانت ستبنى عليها الحكومة . فالملك ينبغي أن يكون نائبا عن الـلــه العلي ، كما كان يجب اعتبار الـلــه رأسا للأمة ، ويجب أن تنفذ شريعته على أنها أسمى شرائع البلاد .AA 542.2
إن الإسرائيليين حين سكنوا أولا في كنعان اعترفوا بمبادئ الحكومة الإلهية ، فنجحت الأمة تحت حكم يشوع . ولكن تكاثر عدد السكان واختلاطهم بالأمم الأخرى أحدث تغييرا ، إذ اختار الشعب لأنفسهم كثيرا من عادات جيرانهم الوثنيين ، وهكذا ضحوا ، إلى درجة كبيرة ، بميزتهم المقدسة الخاصة . وبالتدريج انتزع من قلوبهم توقير الـلــه وما عادوا يقيمون وزنا لشرف كونهم شعبه المختــار . وإذ اجتذبت اهتمامهم مظاهر أبهة الملوك الوثنين وتفاخرهم ضجر أولئك الإسرائيليون من بساطتهم ، فنشأت بين الأسباط الغيرة والحسد ، كما قد أضعفتهم المنازعات الداخلية . وكانوا على الدوام معرضين لخطر الغزو من أعدائهم الوثنيين ، وبدأ الشعب يعتقدون أنهم لكي يثبتوا أقدامهم ويوطدوا مركزهم بين الأمم يجب أن تتحد كل الأسباط تحت لواء حكومة مركزية قوية . وإذ طرحوا عنهم الطاعة لشريعة الـلــه ، رغبوا في التحرر من حكم ملكهم الإلهي . وهكذا انتشرت في كل أنحاء بلاد إسرائيل الرغبة في قيام حكومة ملكية .AA 542.3
منذ أيام يشوع لم تكن الحكومة تسوس الأمة بحكمة عظيمة وسداد ونجاح كما كانت تحت إدارة صموئيل . وعندما قلده الـلــه ذلك المنصب الثلاثي منصب القاضي والنبي والكاهن كان يعمل جاهدا بك كلال وبغيرة نزيهة لا تهدأ لأجل خير شعبه ، فنجحت الأمة تحت إدارته الحكيمة واستتب النظام وراجت التقوى وقضي على روح التذمر إلى حين . ولكن بمضي السنين اضطر النبي إلى أن يشرك معه آخرين في حمل أعباء الحكم ، فعين ابنيه ليكونا مساعدين له . وحين كان صموئيل يقوم بأعباء وظيفته في الرامة كان ابناه الشابان يعمك ن في بئر سبع في توطيد أركان العدالة بين الشعب بالقرب من الحدود الجنوبية للبلاد .AA 542.4
إن صموئيل كان قد أقام ابنيه في تلك الوظيفة بناء على رضى رجال الأمة أو موافقتهم التامة ، ولكنهما برهنا على عدم استحقاقهما لاختيار أبيهما . كان الـلــه قد أعطى لشعبه بواسطة موسى تعليمات خاصة بمقتضاها كان يجب على قضاة إسرائيل أن يحكموا بالعدل ، وأن ينصفوا الأرملة واليتيم وألا يأخذوا رشوة من أحد ، ولكن ابني صموئيل ( مالآ وراء المكسب ، وأخذا رشوة عوجا القضاء ) . إن ابني النبي لم يلتفتا إلى تلك الوصايا التي قصد أن ينقشها على عقليهما . إنهما لم يقتبسا شيئا من حياة أبيهما الطاهرة المنكرة لذاتها . إن الإنذار الذي كان قد قدم لعالي لم يؤثر في عقل صموئيل التـأثـيــر الكافي ، بل كان إلى حد ما محبا لابنيه محبة زادت عن الحد ، فظهرت نتيجة ذلك في أخلاقهما وحياتهما .AA 543.1
وقــد أثار ما ارتكبه ذانك القاضيان من ظلم ، كثيرا من التذمر ، كما وجد الشعب في ذلك ذريعة لتغيير نوع الحكم ، الأمر الذي كان كثيرون لمدة طويلة يتوقون إليه في قلوبهم ، ( فاجتمع كل شيوخ إسرائيل وجاءوا إلى صموئيل إلى الرامة وقالوا له : هوذا أنت قد شخت ، وابناك لم يسيرا في طريقك . فالآن اجعل لنا ملكا يقضي لنا كسائر الشعوب ) (انظر 1 صموئيل 8 — 12) إن الشعب لم يخبروا صموئيل بشيء عن الحالات التي فيها أساء ابناه في حكمهما بين الشعب . فلو كان قــــد سمع أو علم بالمسلك الشرير الذي سلكه ابناه لكان قــــد عزلهما بلا إبطاء . ولكن مقدمي العريضة لم يكونوا يرمون إلى هذا . رأى صموئيل أن الدافع الحقيقي لهم هو البطر والكبرياء ، وأن طلبهم جاء نتيجة لغاية متعمدة كانوا قــــد صمموا على تنفيذها . إن أحدا لم يقدم شكوى في حق صموئيل ، فلقد اعترف الجميع باستقامته وحسن إدارته . ولكن ذلك النبي الشيخ نظر إلى ذلك الطلب على أنه انتقاد لشخصه ومسعى مباشر لعزله . ومع ذلك لم يظهر شعوره ولم ينطق بكلمة توبيخ . ولكنه عرض المسألة أمام الـلــه في الصلاة وطلب المشورة منه وحده .AA 543.2
فقال الرب لصموئيل : ( اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك ، لآنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لآ أملك عليهم . حسب كل أعمالهم التي عملوا من يوم أصعدتهم من مصر إلى هذا اليوم وتركوني وعبدوا آلهة أخرى ، هكذا هم عاملون بك ) وقــد توبخ النبي لكونه حزن بسبب تصرف الشعب حياله كفرد . إنهم لم يبدوا استخفافا به بل بسلطان الـلــه الذي قــــد أقام الحكام لشعبه . فأولـئــك الذين يحتقرون خادم الـلــه الأمين ويرفضونه لا يوجهون احتقارهم إلى ذلك الخادم وحده بل إلى السيد الذي قــــد أرسله . إن كلام الـلــه وتوبيخاته ومشورته هي التي احتقرت ، وسلطانه هو الذي قـد رفض .AA 544.1
إن الأيام التي أصاب فيها شعب إسرائيــل أعظم نجاح هي الأيام التي فيها اعترفوا بالرب ملكا عليهم - حين اعتبرت القوانين التي وضعها والحكم الذي أجراه أسمى وأعظم من كل قوانين الأخرى وأحكامها . لقد أعلن موسى عن وصايا الرب قائلا : ( لأن ذلك حكمتكم وفطنتكم أمام آعين الشعوب الذين تسمتون كل هذه الفرائض ، فيقولون : هذا الشعب العظيم إنما هو شعب حكيم وفطن ) (تثنية 4 : 6) ولكن العبرانيين إذ ارتدوا عن شريعة الـلــه أخفقوا في أن يكونوا هم الشعب الذي قصد الـلــه أن يكون ، وقالوا حينئذ إن سبب كل الشرور التي نجمت عن خطيتهم وجهالتهم هو حكم الـلــه - إلى هذا الحد أعمتهم الخطية .AA 544.2
كان الـلــه قد تنبأ على أفواه أنبيائه أن إسرائيــل سيحكمه ملك ، ولكن لا يستنتج من هذا أن نظام الملكية كان أفضل نظام لهم أو أنه متفق مع إرادة الـلــه . لقد سمح للشعب أن يختاروا ما يشاؤون لأنهم رفضوا الانقياد لمشورته . وأعلن النبي هوشع أن الـلــه أعطى شعبه ملكا في غضبه (هوشع 13 : 11) . وحين يختار الناس طريقهم بأنفسهم دون أن يطلبوا مشورة الـلــه ، أو يسيرون ضد إرادته المعلنة فهو في الغالب يجيبهم إلى رغائبهم حتى ، عن طريق اختبارهم المحزن المرير الذي يتبع ذلك ، يدركوا جهالتهم ويتوبوا عن خطيتهم . إن كبرياء الإنسان وحكمته الذاتية هما مرشد خطر . إن ما يشتهيه الإنسان ضدا لإرادة الله سيكون في النهاية لعنة لا بركة .AA 544.3
أراد الـلــه أن ينظر شعبه إليه وحــده على أنه المشترع لهم ونبع قوتهم . فإذ يحسون باعتمادهم على الـلــه يكون ذلك جاذبا يقربهم إليه أكثر دائما . ثم يسمو شأنهم ويحصلون على الشرف والنبل ، ويكونون أهك لذلك المقام العظيم الذي دعاهم إليه كشعبه المختــار . ولكن متى أجلس الإنسان على العرش فإن ذلك يحول أفكار الناس بعيدا عن الـلــه إذ أنهم يثقون بالقوة البشرية كثيرا ولا يثقون بقوة الـلــه إلا في القليل النادر ، كما أن أخطاء ملكهم ستقودهم لارتكاب الخطية فتفصل الأمة عن الـلــه .AA 545.1
أمر الـلــه صموئيل أن يجيب الشعب إلى طلبهم ، وألا ينسى أن ينذرهم باستنكار الـلــه لذلك الطلب ، وأن يبصرهم بنتيجة تصرفهم . ( فكلم صموئيل الشعب الذين طلبوا منه ملكا بجميع كلام الـــرب ( وبكل أمانة صور لهم الأعباء التي ستوضع عليهم ، وأبان لهم الفرق بين حالة الظلم تلك والحالة الحاضرة ، حالة الحرية والنجاح النسبيين . إن ملكهم سيتشبه بالملوك الآخرين في مظاهر الأبهة والترف والتنعم . ولكي يسد هذه الحاجة فهو سيبتز أموالهم ويسخرهم في قضاء أعماله ، وسيطلب منهم أن يعطوه بنيهم الحسان ليخدموه فيجعلهم سائقي مركباته وفرسانه وبعضهم يجرون أمامه ، وعليهم أن ينخرطوا في سلك جيشه . وسيطلب منهم أن يحرثوا حراثته ويحصدوا حصاده ويعملوا لخدمته عدة حربه وأدوات مراكبه . وسيأخذ بنات إسرائيــل ليعملن عطارات وطباخات وخبازات لبيت الملك . ولكي يدعم حكومته الملكية سيأخذ أجود أراضيهم التي قــــد أنعم بها عليهم الرب نفسه . وسيأخذ أنفع عبيدهم ومواشيهم ( يستعميلهم لشغله ) . زد على ذلك أنه سيطلب منهم عشر دخلهم كله وأرباح تعبهم أو محاصيل أرضهم . ثم ختم النبي كلامه بالقول : ( وأنتم تكونون له عبيدا . فتصرخون في ذلك اليوم من وجه ملككم الذي اخترتموه لأنفسكم ، فلا يستجيب لكم الـــرب في ذلك اليوم ) ، ومع فداحة المطاليب المفروضة عليهم فمتى تثبت نظام الملكية فلن يستطيعوا التخلص منه متى أرادوا .AA 545.2
ولكن الشعب ردوا عليه جوابا قائلين . ( لا بل يكون علينا ملك ، فنكون نحن أيضا مثل سائر الشعوب ، وتقضي لنا ملكنا وتخرج أمامنا ويحارب حروبنا ) .AA 545.3
( مثل سائر الشعوب ) . إن الإسرائيليين لم يكونوا مدركين أن اختلافهم عن سائر الشعوب في هذا الأمر كان امتيازا خاصا وبركة عظيمة . لقد أفرزهم الـلــه من بين الشعوب ليجعلهم خاصة لنفسه (كنزا خاصا) . ولكنهم إذ استخفوا بهذا الشرف العظيم اشتاقوا وتلهفوا إلى التشبه بالوثنيين ! ولا يزال هذا التشوق للتمثل بأهل العالم في ممارساتهم وعاداتهم متفشيا بين المدعوين شعب الـلــه . وعندما يبتعدون عن الرب يطمعون في أرباح العالم وكراماته . إن كثيرين ممن يدعون مسيحيين يحاولون دائما أن يعملوا الأعمال التي يمارسها الذين يتعبدون لإله هذا العالم . وكثيرون يقولون إنهم بارتباطهم بأهل العالم وتشبههم بهم في عاداتهم قد يؤثرون في الأشرار تـأثـيــرا صالحا . ولكن كل من يسيرون في هذا الطريق هم بذلك يفصلون أنفسهم عن نبع قوتهم . فإذ يصادقون العالم يصيرون أعداء الـلــه . ففي سبيل الرفعة والوجاهة العالميتين يضحون بالمجد الذي لا يعبر عنه الذي قد دعاهم الـلــه إليه ، مجد التحدث بفضل الرب الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب (1 بطرس 2 : 9) .AA 545.4
وبحزن عميق استمع صموئيل لكلام الشعب ، ولكن الرب قال له : ( اسمع لصوتهم وملك عليهم ملكا ) لقد قام النبي بواجبه إذ قدم إليهم الإنذار بكل أمانة ولكنهم رفضوا الإنذار ، وبقلب مثقل بالأحزان صرف الشعب ، وانصرف هو ليعد العدد لذلك التغير العظيم فى نظام الحكم .AA 546.1
إن حياة الطهارة والتكريس غير الأناني التي عاشها صموئيل كانت توبيخا مستمرا للكهنة الذين كانوا يخدمون أنفسهم ، وللشيوخ ، ولجماعة إسرائيل المتكبرين الشهوانيين . ومع أنه لم يدّع لنفسه العظمة ولم يكن محبا للمظاهر فإن أعماله كانت تحمل طابع السماء . لقد أكرمه فادي العالم الذي تحت إرشاده حكم على أمة العبرانيين . ولكن الشعب باتوا ضجرين من تقواه وتعبده ، فازدروا سلطته المتواضعة ورفضوه وأرادوا استبداله برجل يحكم عليهم كملك .AA 546.2
إننا نرى في أخلاق صموئيل صورة المسيح منعكسة عليه . إن طهارة حياة مخلصنا هي التي أثارت غضب الشيطان . وكانت تلك الحياة هي نور العالم إذ كشفت عن الفساد الرابض في قلوب الناس . إن قداسة المسيح هي التي أثارت ضده أشـد العداوة والغضب في قلوب المخادعين ممن يدعون التقوى . فالمسيح لم يأت بثروة الأرض وأمجادها ، ومع ذلك فالأعمال التي عملها برهنت على أنه يملك قوة تفوق قوة أعظم ملوك الأرض . كان اليهود ينتظرون مجيء مسيا ليكسر نير الغاصبين الظالمين ، ومع ذلك فقد كانوا يحتضنون الخطايا التي وضعت ذلك النير فوق أعناقهم . فلو كان المسيح قد ستر خطاياهم وامتدح تقواهم لكانوا قبلوه ملكا عليهم ، ولكنهم لم يستطيعوا احتمال توبيخه الجريء لرذائلهم ، فازدروا جمال الخلق الذي فيه ملك الإحسان والطهارة والقداسة ، والذي لم يبغض غير الخطية . وهكذا كانت الحال في كل جيل من أجيال العالم أن النور المنبثق من السماء يجلب الدينونة على كل من يرفضون السير فيه فالمراؤون متى توبخوا بمثال من يبغضون الخطية يصيرون آلات في يد الشيطان لإزعاج الأمناء واضطهادهم ”وجميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون ) (2 تيموثاوس 3 : 12) .AA 546.3
ومع أن الأنبياء كانوا قد تنبأوا بقيام حكم ملكي لإسرائيل فإن الـلــه احتفظ لنفسه بحق اختيار ملكهم . وإلى الآن كان العبرانيون لا يزالون يحترمون سلطان الـلــه فتركوا له أمر اختيار الملك بجملته . وقد وقع الاختيار على شاول بن قيس من سبط بنيامين .AA 547.1
إن الصفات الشخصية للملك العتيد كانت كافية لإشباع كبرياء القلب التي أوعزت إلى الشعب بالوغدة في طلب ملك . ( ولم يكن رجــل في بنــي إسرائيــل أحسن منه ) (صموئيل الأول 9 : 2) كان ذا هيئة نبيلة وجليلة وفي ربيع الحياة ، كما كان جميلا طويل القامة ، وقد بدا كمن قد ولد ليأمر ويحكم . ولكن مع هــذه الصفات الخارجية الجــذابة كان شاول خاليا تماما ومجردا من الصفات السامية التي تشتمل على الحكمة الحقيقية . إنه لم يتعلم في شبابه التحكم في ضبط أهوائه الطائشة المتهورة ، ولم يحس قط بقوة النعمة الإلهية المجددة .AA 547.2
لقد كان شارل ابن رئيس قوي واسع الثراء ، ولكن تبعا لبساطة تلك العصور القديمة كان يعمل مع أبيه في القيام بأعباء الفلاحة الوضيعة . فإذ ضلت بعض أتن أبيه فوق الجبال ذهب شارل مع أحد الغلمان للبحث عنها . وقد ظلا ثلاثة أيام يواصلان البحث بلا جدوى ، ولما صارا قريبين من الرامة موطن صموئيل اقترح الغلام أن يذهبا ليسألا النبي عن الأتن الضالة . قال الغلام : ( هوذا يوجد بيدي ربع شاقل فضة فأعطيه لرجــل الـلــه فيخبرنا عن طريقنا ) هكذا كانت العادة في تلك الأيام . فالذي كان يقترب ممن هو أسمى منه في المقام أو الوظيفة كان يقدم له هدية صغيرة تعبيرا عن احترامه له .AA 547.3
وفيما هما يقتربان من المدينة التقيا بعض فتيات خارجات لاستقاء الماء فسألاهن عن الرائي فأجبنهما بأن خدمة دينية ستقام وشيكا ، وأن النبي قد وصل ، فستقدم ذبيحة على )المرتفعة) ويعقب ذلك وليمة مقترنة بتقديم ذبيحة . لقد حدث تغيير عظيم في العبادة تحت إدارة صموئيل . فحين ناداه الـلــه أولا كانت خدمات المقدس محتقرة ، ( الآن الناس إستهانــوا بتقدمة الـــرب ) (1 صموئيل 2 : 17) ولكن عبادة الـلــه الآن صارت مرعية في كل البلاد ، والناس أظهروا اهتمامهم بالخدمات الدينية . وحيث أنه لم تكن خدمات في خيمة الاجتماع ، لم تكن الذبائح تقدم فيها ، وقد اختيرت مدن الكهنة واللاويين التي كان الناس يجيئون إليها ليتعلموا ، لهذا الغرض . وكانت أرفع الأماكن في هذه المدن تختار عادة لتقديم الذبائح ، ولذلك سميت مرتفعات .AA 547.4
وعند باب المدينة التقى شارل بالنبي نفسه . وقد كشف الـلــه لصموئيل أنه في ذلك الوقت سيمثل أمامه ملك إسرائيــل المختــار . وإذ وقفا الآن وجها لوجه قال الرب لصموئيل “هوذا الرجل الذي كلمتك عنه . هذا يضبط شعبي ) .AA 548.1
فلما سأل شاول صموئيل قائلا : ( أطلب إليك : أخبرني أين تيت الرائي ؟ ) أجابه صموئيل بقوله : ( أنا الرائي ) وإذ أكد له أن الأتن الضالة قد وجدت ألح عليه بالبقاء وحضور الوليمة ، وفي نفس الوقت لمح له عن المستقبل العظيم الذي ينتظره قائلا له : ( ولمن كل شهي إسرائيــل ؟ أليس لك ولكل بيت أبيك ؟ ) فاهتزت مشاعر شاول حين سمع كلام النبي ، وأدرك بعض معاني هذا الكلام ، لأن أمر طلب ملك كان موضوع اهتمام الأمة كلها . فأجاب شاول في تواضع محقرا من شأن نفسه : ( أما أنا بنياميني من أصغر أسبــاط إسرائيــل ، وعشيرتي أصغر كل عشائر أسبــاط بنيامين ؟ فلماذا تكلمني بمثل هذا الكلام ؟ ) .AA 548.2
اقتاد صموئيل ذلك الغريب إلى مكان الاجتماع حيث كان عظماء المدينة مجتمعين . فأعطي شاول مكانا على رأس المدعوين بناء على تعليمات صموئيل . وعلى مائدة الوليمة وضع أمامه أفضل نصيب . ولما انتهت الخدمة أخذ صموئيل شاول إلى بيته حيث تحدث معه على السطح ، مبينا له المبادئ العظيمة التي بني عليها حكم إسرائيل ، وهكذا حاول ، إلى حد ما ، أن يعده لمركزه السامي .AA 548.3
فلما قام شاول لينصرف في صبيحة اليوم التالي خرج معه النبي ليشيعه وفيما كانا سائرين في شوارع المدينة أمر الغلام أن يتقدمهما . ثم أمر شاول أن يقف ساكنا ليستمع للرسالة المرسلة إليه من الـلــه : ( فأخذ صموئيل قنينة الدهن وصب على رأسه وقبله وقال : » أليس لأن الرب قد مسحك على ميراثه رئيساً ؟ ) ولكي يبرهن له على أن هذا قــــد تم بسلطان الـلــه أنبأه بالحوادث التي ستعرض له في طريق عودته إلى بيته . ثم أكد شاول أن روح الـلــه سيؤهله للمركز الذي ينتظره . قـــال له النبي : )فيحل عليك روح الرب ... وتتحول إلى رجل آخر . و إذا أتت هذه الآيات عليك ، فافعل ما وجدته يدك ، لأن الله معك ) .AA 548.4
ولما سار شاول في طريقه تم كل ما قاله له النبي . فعند تخم بنيامن قيل له أن الأتن قد وجدت . وعند بلوطة تابور صادف ثلاثة رجال صاعدين ليسجدوا لــلـــــه في بيت ايل . وقد حمل أحدهم قلتة جداء لتقدم ذبيحة ، وكان آخر يحمل ثلاثة أرغفة خبز والثالث كان يحمل زق خمر لأجل الوليمة المقترنة بتقديم ذبيحة ، فسلموا عليه وقدموا له رغيفي خبز من الثلاثة . فلما وصل إلى جبعة التي هي مدينته كانت زمرة عن الأنبياء نازلين من المرتفعة وهم يسبحون الـلــه بموسيقى ناي وقيثارة وسنطير وعود ، فلما اقترب شاول منهم حل عليه روح الرب فاشترك في تسابيح الحمد وتنبأ معهم . وقد تكلم بكل طلاقة وحكمة واشترك في الخدمة بكل حماسة وغيرة ، حتى إن أولئك الذين كانوا يعرفونه من قبل صاحوا قائلين باندهاش : ( ماذا صار لابن قيس ؟ أشاول أيضاً بين الأنبياء ؟ ) .AA 549.1
وإذ اشترك شاول مع الأنبياء في عبادتهم حدث له تغيير عظيم بفعل الروح القدس . فأشرق نور الطهارة والقداسة على ظلمة القلب الطبيعي ، ورأى نفسه كما هو أمام الـلــه ، كما رأى جمال القداسة . لقد دعي الآن ليثير حربا على الخطية والشيطان ، فبدأ يشعر أن في هــذه الحرب ينبغي له أن يستمد العون من الـلــه وحــده . ثم أن تدبير الخلاص الذي كان قبلا غير واضح المعالم وغير مؤكد انكشف أمام ذهنه . وقد منحه الـلــه شجاعة وحكمة تليقان بمركزه السامي ، كما قد أعلن له عن نبع القوة والنعمة وأنار بصيرته لمعرفة مطاليب الـلــه وواجبه المطلوب منه .AA 549.2
لم تكن الأمة قد علمت بأن شاول قد مسح ملكا . إذ كان يجب إعلان اختيار الـلــه لجمهور الشعب عن طريق القرعة . ولهذه الغاية دعا صموئيل الشعب للاجتماح في المصفاة . وقد رفعت إلى الـلــه صلاة في طلب الإرشاد ، وحينئــذ بدئ بالحفلة المقدسة لأجل الاقتراع ، وانتظر ذلك الجمهور النتيجة بسكون . فعين السبط والعشيرة والبيت على التوالي ، وحينئــذ أشير إلى شاول بن قس أنه الشخص المختــار . ولكنه لم يكن موجودا بين تلك الجماعة . فإذ كان شاول يحس بثقل المسؤولية التي يوشك أن يضطلع بها انسحب من بينهم سرا . ولكنه أعيد إلى تلك الجماعة ، وقد شخص إليه أولـئــك القوم بكل فخر ورضى ورأوا أن هيئته هيئة الملك ومنظرة منظر النبل ، إذ كان ( أطول من كل الشعب من كتفه فما فوق ) وحتى صموئيل نفسه حين قدمه إلى الشعب قال ( أرأيتم الذي اختاره الـــرب ، آنه ليس مثلأ في جميع الشعب ؟ ) فجاء الجواب من أفواه ذلك الجمع الغفير قائلين بصوت عال : ( ليحي الملك ! ) .AA 549.3
حينئذ بسط صموئيل أمام الشعب ( قضاء المملكة ) ، مبينا لهم المبادئ التي ترتكز عليها الملكية والتي ينبغي السير بموجبها . إذ ينبغي ألا يكون حكم الملك حكما مطلقا بل عليه أن يخضع قوته لإرادة الـلــه العلي . وقد كتب هذا الخطاب في سفر دونت فيه أيضا حقوق الملك وحقوق الشعب وامتيازاتهم . ومع أن الشعب كانوا قد استخفوا بإنذارات صموئيل فإن ذلك النبي الأمين إذ كان مجبرا على الخضوع لرغباتهم حاول على قدر الإمكان أن يحرص على حرياتهم .AA 550.1
وفي الوقت الذي كان فيه الشعب كله على وجه عام مستعدين للاعتراف بشاول ملكا عليهم ، فقد كان يوجد حزب كبير يعارض في ذلك . إن اختيار ملك من بنيامين أصغر أسباط إسرائيل - وإغفال سبطي يهوذا وأفرايم الذين هما أكبر الأسباط وأقواها - كان إهانة وتحقيرا لم يستطيعوا احتمالهما أو الصبر عليهما . فرفضوا الاعتراف بولائهم لشاول أو تقديم الهدايا المعتادة له . فأولئك الذين كانوا يلحون أكثر من غيرهم في طلب ملك كانوا هم أنفسهم الذين رفضوا أن يقبلوا ، بشكر ، الرجل المعين من الـلــه . كان لكل حزب محبوبه الذي أرادوا أن يجعلوه ملكا ، وكثيرون من القادة كانوا يرغبون في المجد لأنفسهم أي أن يجلسوا على العرش ، فغلت الغيرة والحسد في صدور كثيرين من الشعب ، ولذلك نجم عن محاولات الكبرياء والطموح الخيبة والتبرم .AA 550.2
في هذه الحالة لم ير شاول أنه من المناسب أن يدعي لنفسه الحق في عظمة الملك . وإذ ترك لصموئيل ليقوم بأعباء الحكم كالسابق عاد هو إلى جبعة . وقد رافقته ، إلى بيته بكل أكرام لحمايته ، جماعة من الشعب الذين ، إذ رأوا يد الـلــه ظاهرة في اختياره ، صمموا على مناصرته . ولكنه لم يبذل أية محاولة ليحصل بالقوة على حقه في اعتلاء العرش . وفي مدينته في أرض بنيامين جعل يزاول بكل هدوء عمله كفلاح تاركا تثبيت سلطانه لــلـــــه كلية .AA 550.3
ولكن حالا بعد ما أقيم شاول ملكا غزا العمونيون تحت قيادة ملكهم ناحاش إقليم الأسباط الواقع شرقي الأردن وجعلوا يهددون مدينة يابيش جلعاد ، فحاول السكان أن يعقدوا صلحا مع أولـئــك القوم وعرضوا عليهم أن يدفعوا الجزية لبني عمون . ولكن ذلك الملك القاسي لم يرض بذلك إلا على شرط تقوير كل عين يمنى لكل فرد من سكان تلك المدينة ليكونوا شهودا دائمين لقوته وبطشه .AA 551.1
وقــد طلب سكان تلك المدينة المحاصرة إمهالا لمدة سبعة أيام فأجابهم العمونيون إلى طلبهم إذ كانوا يظنون أنهم بذلك يزيدون من مجد انتصارهم المنتظر . فأرسل في الحال رسل من يابش يطلبون العون من الأسباط الساكنين غربي الأردن ، وقــد نقلوا إلى جبعة الأنباء التي نشرت الذعر بين الشعب . وإذ كان شاول عائدا من رعاية المواشي في وقت المساء سمع أصوات العويل التي دلت على وقوع كارثــة عظيمة . فسأل قـائــلاً : ( ما بال الشعب يبكون ؟ ) ولما خبروه بتلك القصة المشينة استيقظت كل قواه الهاجعة . ( فحل روح الله على شلول ... فأخذ فدان بقر وقطعه ، وأرسل إلى كل تخوم إسرائيل بيد الرسل قائلاً : من لا يخرج وراء شاول ووراء صموئيل ، فهكذا يفعل ببقره ) .AA 551.2
فاجتمع من بني إسرائيل في سهل بازق ثلاث مئة وثلاثون ألف رجل تحت قيادة شاول . وفي الحال أرسل رسل إلى المدينة المحاصرة يؤكدون لهم أن النجدة ستأتيهم في الغد وفي نــفـــس اليوم الذي سيسلمون أنفسهم فيه للعمونيين . وعندما سار شاول وجيشه سيرا حثيثا متواصلا طول الليل عبروا الأردن ووقفوا أمام يابش ( عند سحر الصبح ) . وإذ قسم جيشه إلى ثلاث فرق كما فعل جدعون من قبل ضربوا محلة العمونيين في ذلك الصباح الباكر ، لأن العمونيين إذ لم يكونوا يتوقعون خطرا ، لم يكونوا في حذر من الهلاك . فهزموا شر هزيمة وقتل منهم كثيرون إذ استولى عليهم الرعب ( والذين تقوا تشتتوا حتى لم يبق منهم اثنان معا ) .AA 551.3
إن نشاط شاول وقوة عزمه وشجاعته وحسن قيادته للجيش التي ظهرت في قيادته الناجحة لذلك الجيش العظيم - كل هذه الصفات كانت هي التي رغب شعب إسرائيل أن تتوافر في ملكهم حتى يمكنهم الصمود في كفاحهم مع الأمم الأخرى . وقد هتفوا له الآن على أنه ملكهم ونسبوا مجد الانتصار لعوامل بشرية ، ناسين أنه لولا بركة الـلــه الخاصة لأمست كل جهودهم باطلة . وقــد تحمس بعض منهم ، فاقترحوا أن يقتل أولـئــك الذين رفضوا أولا الاعتراف بسلطان شاول ملكا . ولكن الملك اعترض قـائــلاً : ( لا يقتل أحد في هذا اليوم ، لأنه في هذا اليوم صنع الـــرب خلاصا في إسرائيــل ) لقد برهن شاول بهذا على حقيقة التغير الذي حدث في أخلاقه . فعوضا عن أن ينسب المجد لنفسه أعطى المجد لــلـــــه ، وبدلا من أن يفكر بالانتقام أظهر روح الشفقة والغفران . وهذا برهان لا يخطئ على أن نعمة الـلــه تسكن في القلب .AA 551.4
حينثذ اقترح صموئيل أن يستدعى رجال الأمة لحضور اجتماع وطني في الجلجال لكي يتثبت الملك لشاول علنا ، وقــد تم ذلك ( وذبحوا هناك ذبائح سلامة أمام الـــرب . وفرح هناك شاول وجميع رجال إسرائيل جــداً ) .AA 552.1
لقد كانت الجلجال هي أول مكان حل فيه بنو إسرائيــل في أرض الموعد ، وفي هذا المكان أقام يشوع امتثالا لأمر الرب عمودا من اثني عشر حجرا تذكارا لعبور الشعب في نهر الأردن بطريقة عجائبية ، وفي هذا المكان أيضا جدد الختان ، كما عملوا الفصح لأول مرة بعد الخطية التي ارتكبها الشعب في قادش والجولان في القفر ، وفي هذا المكان انقطع المن ، وفي هذه البقعة أيضا أعلن رئيس جند الرب نفسه كرئيس وقائد جيوش إسرائيــل ، ومن هذا المكان ساروا إلى أريحا التي سقطت أسوارها وغزوا عاي وامتلكوها ، وفي هذا المكان نال عخان جزاء خيانته ، وفيه أيضا عقدت مع الجبعونيين تلك المحالفة التي كانت قصاصا لإسرائيل على إهمالهم في طلب مشورة الرب . ففي هذا السهل الذي يرتبط بذكريات كثيرة تهز المشاعر وقف صموئيل وشاول . ولما انتهى الشعب من ترديد هتافات الترحيب بالملك جعل ذلك النبي الشيخ يخاطب الشعب بكلماته الوداعية كحاكم للأمة قـائــلاً :AA 552.2
( هأنذا قد سمعت لصوتكم في كل ما قلتم لي وملكت عليكم ملكا . والآن هوذا الملك يمشي أمامكم . وأما أنا فقد شخت وشبت ... وأنا قد سرت أمامكم منذ صباي إلى هذا اليوم . هأنذا فاشهدوا علي قدام الرب وقدام مسيحه : ثور من أخذت ؟ وحمار من أخذت . ومن ظلمت ؟ ومن سحقت ؟ ومن يد من أخذت فدية لأغضي عيني عنه ، فأرد لكم ؟ ) .AA 552.3
فأجابوه بصوت واحد قائلين : )لم تظلمنا ولآ سحقتنا ولا أخذت من يد أحد شيئا ) .AA 553.1
إن صموئيل لم يكن يقصد من هذا أن يبرر مسلكه وعمله فحسب . لقد سبق له أن أعلن المبادئ التي يجب أن يسلك بموجبها الشعب والملك ، وكان يريد أن يضيف إلى كلامه قوة مثاله الصالح وحياته النزيهة . لقد كان على اتصال بعمل الـلــه منذ طفولته . وفي مدة حياته الطويلة كان أمامه هدف واحد - مجد الـلــه وخير إسرائيل .AA 553.2
ولكن قبلما يكون هناك أمل في نجاح إسرائيــل ينبغي لهم أن يتوبوا أمام الـلــه ، إذ كان من نتائج خشيتهم أنهم أضاعوا إيمانهم بالـلــه وإدراكهم لقدرته وحكمته في حكم الأمة - أضاعوا ثقتهم في قــــدرته على تزكية عمله وتثبيته . فقبلما يجدون الــســلام الحقيقي ينبغي لهم أن يروا خطيتهم التي قــــد ارتكبوها ويعترفوا بها . لقد سبق لهم أن قالوا إن الغرض من طلبهم لأنفسهم ملكا هو لكي ( يقضي لنا ملكنا ويخرج أمامنا ويحارب حروبنا ) وقــد سرد صموئيل تاريخ إسرائيــل منذ اليوم الذي فيه أخرجهم الرب من مصر . إن الرب ملك الملوك قــــد خرج أمامهم وحارب حروبهم . وكثيرا ما باعتهم خطاياهم إلى سلطان أعدائهم . ولكن ما إن رجعوا عن طرقهم الشريرة حتى أقامت لهم رحمة الـلــه مخلصا ينقذهم . لقد أرسل الرب جدعون وباراق ( ويفتاح وصموئيل ، وأنقذكم من يد أعدائكم الذين حولكم فسكنتم آمنين ) ثم قال ومع ذلك فإنهم إذ تهددهم الخطر قالوا : )الرب إلهكم ملككم ) .AA 553.3
ثم استأنف صموئيل كلامه قـائــلاً : ( انظروا هذا الأمر العظيم الذي يفعله الرب أمام أعينكم . أما هو حصاد الحنطة اليوم ؟ فإني أدعو الرب فيعطي رعوداً ومطراً فتعلمون وترون أنه عظيم شركم الذي عملتموه في عيني الرب بطلبكم لأنفسكم ملكا . فدعا صموئيل الرب فأعطى رعوداً ومطراً في ذلك اليوم ) إن المطر لا يسقط مطلقا في الشرق في وقت حصاد الحنطة الذى يقع في شهري مايو ويونيو (أيار وحزيران) كانث السماء صافية والهواء هادئا ومعتدلا . ولذلك فالعاصفة الشديدة التي هبت في هذا الفصل ملأت كل القلوب هلعا ورعبا . ففي تذلل وانسحاق اعترف الشعب حينئذ بخطيتهم - نــفـــس الخطية التي ارتكبوها ، قائلين : ( صل عن عبيدك إلى الرب إلهك حتى لا نموت ، لأننا قد أضفنا إلى جميع خطايانا شرا بطلبنا لأنفسنا ملكاً ) .AA 553.4
ولم يتركهم صموئيل في حالة الخوف وخور العزيمة وإلا كان ذلك يحول بينهم وبين جهدهم ليعيشوا حياة أفضل . كان الشيطان يصور لهم الـلــه على أنه إله قاس لا يغفر الخطية ، وأنهم بذلك يتعرضون لتجارب لا حصر لها . إن الـلــه غفور رحيم وهو مستعد دائما لأن يظهر رضاه لشعبه حين يطيعون صوته . فكانت الرسالة التي أرسلها الـلــه لشعبه على فم عبده هي هذه ( لا تخافوا . إنكم قــــد فعلتم كل هذا الشر ، ولكن لآ تحيدوا عن الـــرب ، بل اعبدوا الـــرب بكل قلوبكم ، ولآ تحيدوا . لآن ذلك وراء الأبـاطيل التي لآ تفيد ولآ تنقذ ، لأنها باطلة . لآنه لآ يترك الـــرب شعبه ) .AA 553.5
إلا أن صموئيل لم يذكر شيئا عن الازدراء الذي ألحقوه به ، ولم ينطق بأي كلمة توبيخ لهم على الجحود الذي جازره به بعد حياته الطويلة التي كرسها لخدمتهم . ولكنه أكد لهم أنه لن يكف عن الاهتمام بما فيه صالحهم فقال لهم : ( فحاشا لي أن أخطئ إلى الـــرب فأكف عن الصلاو من أجلكم ، بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم . إنما اتقوا الـــرب واعبدوه بالأمانة من كل قلوبكم ، بل انظروا فعله الذي عظمه معكم . وإن فعلتم شرا فإنكم تهلكون أنتم وملككم جميعا ) .AA 554.1
* * * * *